بازگشت

بعض جوانب شخصية الحسين


و اذا ما اردنا تسجيل حياة الحسين عليه السلام، نجد ان ذلك ربما اقتضانا كتابا منفردا قد يتيح لنا الاحاطة ببعض جوانب شخصيته، و قد نستطيع رسم بعض ملامحها. علي ان اكثر ما يساعدنا علي فهم هذه الشخصية الفريدة هو سلوكها خلال فترة الثورة، ايام معاوية و يزيد، و هذا ما لفت الانظار بشكل استثنائي الي حياته في تلك الفترة.

ان فهم دوافع الثورة لدي الامام الحسين عليه السلام و ما حققته بعد ذلك، قد تكون متاحا لفهم تلك الشخصية الكبيرة.

و عندما نستمع الي اقوال بعض من تحدث عنه. [1] :


(كان الحسين افضل أهل زمانه في العلم و المعرفة بالكتاب و السنة).

و قول البخاري في تاريخه:

(ان الناس كانوا يجتمعون اليه و يحتفون به و كأن علي رؤوسهم الطير، يسمعون منه العلم الواسع و الحديث الصادق و كان مجلسه في جامع جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و له خلقه خاصة به).

قال ابن عباس:

(الحسين من بيت النبوة و هم ذروة العلم)،

و قال معاوية لرجل من حزبه استأذنه في السفر الي الحجاز:

(اذا دخلت مسجد رسول الله، فرأيت حلقة فيها قوم كأن علي رؤوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبدالله الحسين) [2] .

(و من اعدل من الحسين في زمانه في امامته و عدالته في قتال أهل الاراء) [3] .

فان اول ما يتبادر الي اذهاننا هو قيامه عليه السلام باستثمار الاوقات الثمينة التي قضاها مع ابيه عليه السلام ينهل من علمه، و يتخلق باخلاقه و يعد نفسه للدور القيادي المرسوم له، ليبقي علي ذلك الدفق من العلم و المعرفة الالهيين الصحيحين غير المحرفين و المزورين أو المرسومين بالريشة الاموية المضللة، لكي تظل الامة علي اتصالها الوثيق بالخط الرسالي الاول.

لقد فات المؤرخين ان يذكروا هذه النقطة بوضوح و تركيز و هي ان آل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم هم ورثة العلم و الامامة كما صرح بذلك الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، و صرح بذلك وصيه بشكل واضح لا لبس فيه، و هم أجدر من يقوم بمهمة قيادة الامة و تقويمها و تربيتها، و التضحية في سبيل ذلك الدين الذي رفعهم الله به و جعلهم في مقدمة الناس، و ان واجب الحسين عليه السلام تجاه الامة لم يكن ليقل عن واجب ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام عندما تسلم مسؤولية قيادة الامة باعتباره من اكثر المؤهلين الموجودين لذلك، و لم يهتموا الا بالتعرض للثورة باعتبارها حدثا مقطوعا لا علاقة له بأية احداث اخري، و ربما باعتبارها مطالبة شخصية بالخلافة، بل وشقا لعصا


المسلمين، و ربما اعتبر بعضهم الحسين عليه السلام مجرد ابن لاحد الصحابة قد لا يتفوق علي ابن (الصحابي) الاخر يزيد الا ببعض المؤهلات العلمية.

لقد كانت الثورة حدثا ضخما، حتي انها جعلت الكثرين في غمرة التأثر بوقائعها و احداثها و نتائجها، لا يرون شخصية قائدها الا من خلال ادائه و تصرفاته اثناء هذه الثورة منذ بداية اعلانها و استشهاده و اصحابه عليه السلام في واقعة الطف، و لم يهتموا بدراسة الجوانب الاخري التي حفلت بها حياته و التي جعلت من الثورة امرا محتوما، مادام الحسين عليه السلام قد كان هو الحسين بكل تلك المواصفات التي كان عليها، و التي اشاد بها القرآن الكريم و الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم و كل من شهد الحسين و عاصره.

لقد كان الحسين عليه السلام افضل أهل زمانه في العلم و المعرفة بالكتاب و السنة، كما شهد بذلك معاصروه و حتي اعداؤه و الذي كان محط اهتمام المسلمين و حفاوتهم لعلمه الواسع و حديثه الصادق، و الذي نهل العلم من مصادره الاصيلة الاولي مباشرة، و الذي حفظ القرآن و استوعبه في سنوات عمره الاولي، كما اجمع علي ذلك كتاب سيرته و مؤرخوه، ما كان لينظر الي ما كان يحدث نظرة اللامبالاة و عدم الشعور بالمسؤولية، و كان يعلم انه بقيامه لاكثر من عشرين عاما بعد وفاة والده عليه السلام مع اخيه و بعده ايضا بمهمة نشر الاسلام و توضيحه و ترسيخه و اعداد اجيال من العلماء تتخرج علي يديه خلال هذه الفترة الطويلة كان يقوم ايضا بمهمة اعداد الامة كلها لكي تنظر الي هذا الدين كأمل وحيد ينقذها من كل مهاوي الشرك و العبودية و الطاغوت لتدرسه و تتأمله و تخوض في شؤونه، لتخلصه من كل ما الحقه به اعداؤه و نسبوه اليه، و لكي توصل الي الاجيال القادمة حصيلة ضخمة غير مقطوعة و لا مشوهة من التصورات الصحيحة الواضحة غير الدخيلة عن هذا الدين الذي اوشك ان يحرفه الامويون و يجعلوا منه دينا آخر لا يحمل الا اسمه من خلال العمليات الضخمة الدؤوبة لتأويل القرآن، و الروايات و الاحاديث الملفقة و الاقاصيص و الاسرائيليات الدخيلة، و حياة الترف التي اتصفت بها الطبقة الحاكمة و مؤيدوها علي حساب الاغلبية المظلومة المضطهدة من ابناء الامة.

فلم تكن حياته عليه السلام مع جده صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه عليه السلام بلا جدوي، و لم يكن متلقيا عاديا للدين، و انه يستفد من معطيات الحياة الحافلة، المليئة بالاحداث الجسام، التي عاشها مع جده صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه و اخيه عليه السلام، و انما كان صاحب مدرسة هي مدرسة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و وصيه عليه السلام.



پاورقي

[1] انظر تاريخ ابن‏عساکر و تاريخ الاسلام للحافظ الذهبي.

[2] د. عائشة عبدالرحمن، سکينة بنت الحسين، دار الکتاب العربي،، لبنان 1979 ص 26.

[3] مقدمة ابن‏خلدون 240.