بازگشت

دور الامام الحسين


لقد رأينا الدور الذي لعبه الامام الحسن عليه السلام بتصديه لضعف الامة بموقف محتج، اراد به ان يريها الحال التي و صلت اليها، و اوقف مؤامرة السعي لاستئصال آل البيت عليهم السلام. و الطليعة الاسلامية الواعية التي تتبني خط الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و خطهم عليهم السلام، مما كان سيشكل محوا نهائيا للسلالة التي اضطلعت مع مربيها و ابيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و اخذت علي عاتقها نشر الدين و اقامة حدوده مهما كلف الثمن و غلت التضحيات. فكان موقف الامام الحسن عليه السلام هو الموقف المناسب امام هجوم معاوية الشرس، الذي ما كان ليمتنع فيه عن استخدام اشد الاساليب و اقذرها، لا لاستئصال هذا البيت و حسب، و انما لتشويه سمعته امام المسلمين الي الابد، من خلال الاقاصيص و الافتراءات و الاكاذيب التي كان سيعمد الي نشرها عن طريق تجار دعايته الكثيرين من فقهاء الدولة و المحدثين و الوعاظ و القصاصين و غيرهم.

و لم تكن الهدنة التي اردها الامام الحسن عليه السلام، الا فرصة اراد فيها للامة ان تلتقط انفاسها و تفكر بواقعها علي ضوء المعطيات الجديدة التي جعلتها تفكر بقبول معاوية حاكما مطلقا لها، بديلا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، غير مقيد بأي حد من حدود الاسلام أو تشريع من تشريعاته.

و سوف نري ان دور الامام الحسين عليه السلام رغم اختلاف الاداء عن اخيه و امامه من قبل لم يكن يختلف بمضمونه عنه، بل كانت له نفس المهمة المؤثرة الفاعلة في الامة، و ان اختلاف الاداء (مهادنة الحسن عليه السلام لمعاوية) (و ثورة لحسين عليه السلام علي يزيد) كان لهما نفس الفعل و التأثير علي الامة و العمل علي ايقاظها، بل وهزها بقوة و انتشالها من الانحدار المخيف الذي استدرجت اليه بفعل القوة الاموية الغاشمة.

و هكذا... فلم يكن الحب الابوي الخالص وحده، هو الذي دفع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لا علان و تأكيد ميله الشديد لهؤلاء الاشخاص، بل ان حب الله سبحانه


و تعالي، و اصطرفاءه لهم بهذا الشكل الواضح المعلن، هو الذي جعله يقوم بتحشيد المسلمين خلفهم، و محضهم الود، و نزع الكره و العداوة من قلوب من استدرج لذلك الكره و تلك العداوة، ثم لتقبل امامتهم و قيادتهم في المستقبل دون تردد أو تحفظ. و كان وضوح الايات القرآنية النازلة بحقهم، و وعد الله (جل و علا)، و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم لمن احبهم بدخول الجنة أو لمن ابغضهم بدخول النار، امر يستدعي الوقوف السريع و التأمل العاجل، فان هذه التصريحات خطيرة وحاسمة، و لا تحتمل التأويل و التفسير و تقليب و جهات النظر.

و عندما يؤكد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي الحسين عليه السلام: حسين مني و انا من حسين. احب الله من احب حسينا. حسين سبط من الاسباط).. فانه صلي الله عليه و آله و سلم يشير اشارات واضحة الي انتماء بعضهما لبعض، و انتمائهما معا الي الاسلام، و ظهور كل منهما في الاخر، باعثا للاسلام و ناشرا له. الاول، رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، من خلال قيامه بمهمة عرض الدين الذي انزل عليه و تبليغه للناس كافة، و الثاني، الحسين عليه السلام عرضه كصيغة وحيدة للحياة لا تقبل المساومة و لا بديل عنها، و قد لفت كلاهما نظر الامة الي هذا الدين يحقق سعادتها و انسجامها و توازنها علي مر العصور، و كانت مهمة الحسين عليه السلام مكملة لسهمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، في الجهاد و العمل و الاقبال التام علي الله وحده و عدم قبول سواه، مهما كان الثمن الذي يعرض امامها في معرض المساومة علي هذا الدين، و كانت تصوراتهما المشتركة الواضحة التي تنطلق من علم اكيد بهذا الدين، و معرفة و يقين تامين بخالقهما، دعتهما لا يريان شيئا كما عبر أميرالمؤمنين عن ذلك الا ويريان الله معه و فيه و امامه و خلفه..

و مثلما لم يتمكن احد من استنطاق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن سبب اندفاعه الشديد و اللامحدود، و تعرضه للمخاطر الجمة و منها الموت عدة مرات، لنشر هذا الدين و ارساء دعائمه، لاننا نعتقد بصواب ما فعله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لاننا ادركنا صدق و صحة منهجه، فاننا عندما نري نفس المنهج و التصور و الاسلوب في الحياة و العمل لدي اولئك المقربين منه بالنسب و العقيدة و التصور، و نحاول دراسة الدوافع و راء كل الاعمال التي قاموا بها، و التي عندما نستعرضها نجد انها تسير علي نفس النهج و الاسلوب النبوي، فان علينا ان نسائل انفسنا:

لماذا لا يري بعضنا نفس ما رآه الآخرون من انعكاس اسلوب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي اسلوب الائمة عليهم السلام؟ و نتساءل ايضا:


هل استطاع احد ان يجد تناقضا بين الاسلوبين و اختلافا بينهما؟

ام ان الاطروحة الاموية الخبيثة بان نموذج الدولة الاسلامية التي قادها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا يمكن ان تتكرر، و لا يمكن ان يقدر عليها (خليفة) أو حاكم ابدا، و ان التضحيات الاولي لا يمكن تكرارها، بل اصبحت غير مبررة، مع وجود الدولة الاسلامية، بل انه جعل حتي النماذج المتأخرة و التي لا تستطيع اللحاق أو الوصول الي النموذج الاول، غير ممكنة التكرار و الوقوع مرة اخري. و قد رأينا كيف سخر معاوية من يزيد في احدي القصص الملفقة، عندما قال له ان سيسير سيرة عمر بن الخطاب اذا ما اصبح خليفة و كيف ضحك منه معاوية و قال له بأنه أي معاوية، مع انه افضل من يزيد و اكثر كفاءة منه، بذل جهده للسير علي اسلوب عثمان أو طريقته فلم يتمكن. فكيف بيزيد و امثال يزيد...؟

و كيف اننا رأينا ان اشارات معاوية الموحية بأن من جاءوا قبلا هم افضل ممن جاء بعدهم و انهم نماذج فريدة لا يمكن ان تكرر. هذه الاطروحة الاموية الخبيثة في غياب الحكم الاسلامي الصحيح، وجدت من يبرر قبولها من بين الكثيرين، و وجدت من يصدقها حتي من بين الاسلاميين الواعين، و حتي يومنا هذا، حيث يندبون ذلك العهد الزاهر الاول الذي قدر له ان يظهر و لن يعود، و اتاحت لاعداء الاسلام ان يصفوه بالمثالية التي تعني عدم امكانية التطبيق و البعد عن (الواقعية)، و انه يجب ان يركن في الزوايا أو علي الرفوف مع ما سبقه من اديان اخري و يترك شؤون الحياة و لا (يتدخل) فيها، و لا يهتم الا بأمور (السماء)، و يدع ما لقيصر لقيصر.