بازگشت

وجود أئمة أهل البيت و دورهم ضد الانحراف


و يظل السؤال الاخير مطروحا: هل يتخلي الأئمة عن دورهم القيادي اذا ما اقصوا من قبل من تبوأوا مقاعد الزعامة و الحكم، ام انهم كانوا سيظلون يمارسون دورهم في تقويم الامة كلما بدا لها ان تخرج عن الحدود المرسومة لها أو بدا للحاكمين ان ينحرفوا بها؟


لا شك ان الشطر الثاني من السؤال يشكل الاجابة الصحيحة.

و قد رأينا كيف قام الائمة عليه السلام بادوار متكاملة (كأنها دور واحد لامام واحد عاش عهودا مختلفة) لتقويم الانحراف بالطريقة المناسبة، و رأينا كيف قام أميرالمؤمنين عليه السلام بدوره طيلة عهود الخلفاء الثلاثة، كما رأينا كيف واجه الامام الحسن عليه السلام خطر القضاء علي الاسلام، و استئصال آل البيت الذين كان ينبغي ان يظلوا في الساحة و في مركز القيادة الجماهيرية حتي و ان اقصوا علي مراكزهم الحقيقية، و كيف فوت مؤامرة معاوية للذهاب في عدائه ضد الاسلام الي ابعد حد.

و كانت ادوارهم كلها تسير باتجاه تعميق المثل الاسلامية و الحفاظ علي الاسلام و وحدة المسلمين و درء المخاطر عنهم (و هو ما ادعاه اعداؤهم الأمويون) و ارجاعهم الي الصواب كلما بدا لهم ان يستجيبوا للانحراف أو يقعوا في الاخطاء، اما الي أي مدي نجحوا في مهامهم، فهذا امر عندما نناقشه وفق تصور اسلامي صحيح فاننا سنعلم انهم قد نجحوا فيه بالتأكيد، و هذا ما اظهرته لنا الوقائع التي استعرضنا قسما منها هنا.

فانهم عليهم السلام لو قد تركوا الحال علي ما كانت عليه، و لو انهم استسلموا للتصرفات و النزعات المعادية و القيم الجاهلية التي بدأت تظهر من جديد و التي لم تكن قد امحت أو تلاشت بعد، و ان وجدت بعض عناصر البقاء و الديمومة، لكان الوضع الان غير ما هو عليه فعلا، و ربما لم نعد نسمع حتي باسم الاسلام يلفظ علي هذه الارض، و لم يعد الدين الا اثرا تاريخيا و تراثا غابرا.

اما موقف الحسين عليه السلام فسنري انه لا يختلف عن موقف أميرالمؤمنين و الحسن عليه السلام سواء في عهد معاوية أو بعيد هلاكه و بداية صعود يزيد الي سدة الحكم.

لقد كان الدوافع نفسه و هو الحفاظ علي الاسلام و درء خطر الانحراف عن المسلمين هو الباعث الوحيد لتضحيات الائمة الثلاثة عليهم السلام، و وقوفهم تلك المواقف الباسلة التي ايقظت الامة في النهاية و جعلتها تتطلع الي المثل الاعلي الحقيقي، كلما سعت المثل الواطئة المتمثلة بطغاة الامة و فراعنتها لا يقاعها بين براثنها و في حبائلها، و لم يكن ذلك ادعاء و انما حقيقية واقعة سجلها لهم التاريخ رغم محاولات تزوير و طمس تلك الحقيقة.


ان تاريخنا ينبغي ان يدرس بعمق، و ان تسجل نقاطه بدقة، و ان لا تغلب علينا المواقف و الافكار المسبقة، و ان نعرف لكل ذي حق حقه، فلقد مضي من كانوا قد أثروا علي هذا التاريخ و تركوا لمساتهم و نتائج اعمالهم علي مصائر و حياة ابناء الامة الاسلامية و ابناء البشربة عموما، و وفدوا علي ربهم، غير ان نظرتنا الي مواقفهم و تصرفاتهم تجعل منا شركاء لهم اذا ما تبنينا تلك المواقف و عملنا علي الدفاع عنها أو اعداء لهم اذا شجبناها و اشرعنا اقلامنا و سيوفنا ضدهم و ضد كل محبذ لهم.

ان بعدنا عن ذلك العصر، و عدم قيامنا بدور فيه ينبغي ان يكون عاملا لجعلنا ننظر الي الامر برمته نظرة واعية متفحصة متأنية بعيدين عن واقع الزلل و الخطأ، و قبلها: تضعنا امام مهمة فهم تاريخنا و مناقشة علي اساس حمل التصور الاسلامي الدي حمله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عند ذلك سنعلم الكثير مما حاول العديدون طمسه و اخفاءه.

و قبل ان نناقش تاريخنا الاسلامي و نتعامل معه كمسلمين، ينبغي ان نضع انفسنا امام مهمة فهم هذا الدين و اهدافه و قيمه العليا فهما واعيا اصيلا غير مغلف بذلك الركام الهائل من التصورات و التصرفات الشخصية البحتة التي لعبت مصالح الطبقات الحاكمة المترفة دورا كبيرا في تشكيلها و التحكم بها علي مر العصور و الي يومنا هذا، و لعب الجهل و عدم الادراك و التلقي اللاواعي عن (السلف) لمجرد انه سلف دون تمحيص أو تحقيق دوره ايضا لجعلنا نقفل باب عقولنا و نعتمد علي وعيهم و فهمهم و وسائلهم في الاستدلال و النظر و المناقشة، و بذلك فاننا نجعل سبيل الاختلاف و الفرقة مفتوحا علي مصراعيه، مادمنا نتعامل مع احداث حياتنا و وقائعها بهذه السذاجة و بهذه السلبية المقيتة.