بازگشت

شخصية الزعيم الجاهلي مزيج من المثل الجاهلية و الهوي


اما اولئك الذين اخذوا علي عواتقهم تكريس و تبني الحياة الجاهلية و قيمها و مثلها بكل سلبياتها و انحطاطاتها مثل أبي سفيان و معاوية، و الذين لم يتعرفوا علي الاسلام الا قبيل اشهر معدودة من وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و قد وجدوا انفسهم مجبرين علي اعتناقه في غمرة النصر الاسلامي الحاسم، و الذين لم يقتربوا منه و من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي الحد الذي يجعلهم قادرين علي فهمه بالقدر الذي فهمه به المسلمون الاوائل، ناهيك عن فهم اول ملتحق به و هو أميرالمؤمنين عليه السلام، فان مهزلة العبث الاول الذي شكل بداية الانحراف المبكر بشأن قيادة المسلمين اتاح لهم فيما بعد ان يكونوا هم في مركز القيادة (خلفاء) لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هذه اكبر مهزلة تتم في تاريخنا الاسلامي كله، سببت كل ما عاناه و يعانيه المسلمون من كوارث و ويلات.

و مهما حاول احد تبرير تصرفاتهم و وصفها بانها أخطاء و تأولات جاءت نتيجة (اجتهادات)، فان ما طفا علي سلوكهم و ما صرحوا به انفسهم علي رؤوس الاشهاد دل علي انهم لم يروا الاسلام الا حالة ينبغي استثمارها لصالحهم، و قد تم ذلك فعلا و استغلوا حالات الانحراف البسيطة التي وقعت قبل معاوية لتجسيمها و تضخيمها و الاحتجاج بها علي انحرافهم هم، و قد رأينا كيف كان رد معاوية علي محمد بن أبي بكر،عندما عاتبه الاخير علي خروجه علي أميرالمؤمنين عليه السلام.

ان الوضع الاسلامي عندما يصل الي مرحلة تقصي فيها القيادة المؤهلة و المعدة من قبل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بايعاز مباشر من الله جلا و علا كما رأينا و تحل محلها قيادة كانت في آخر الركب خلال الدولة الاسلامية الاولي، و عندما يصل المجتمع


الاسلامي الي حالة من الضعف و اللامبالاة و عدم الشعور بالمسؤولية بحيث يتقبل هذه (القيادة) الدخيلة التي لم تنتم الي الاسلام الا رغم انفها، و التي اسفرت عن وجهها ممثلة بشخص معاوية ثم يزيد الذي اعلن عن انحرافه و لم يتحرج من ذلك، و اعلن عدم التزامه حتي بالقواعد المتعارفة التي يطالب بها المسلم و يعرف بها مثل اقامة الصلاة و الصيام و اجتناب المحرمات و الفواحش مثل الخمرة و الزنا و غيرها، و عندما يحصل ذلك بعد نصف قرن فقط من وفاة قائد الاسلام الاول صلي الله عليه و آله و سلم، فان ذلك يمثل نكسه خطيرة لا يمكن معالجتها باسداء النصيحة أو الدعوة الي الرجوع الي ما درجت عليه القيادة الاولي، اذ ان السلطة الاموية اوحت كما رأينا بأن العمل بسيرة أبي بكر و عمر و حتي بسيرة عثمان غير ممكن عمليا و ذهبت الي حد الادعاء بأن العمل بسيرة معاوية من قبل من جاء بعد معاوية امر عسير ايضا كما صرح بذلك يزيد، و ان علي الامة ان تعد نفسها لاستقباله و امثاله (خلفاء) و (امراء للمؤمنين)، و ملوكا مستبدين متسلطين لا يحد من سلطانهم قانون أو دين.

و هكذا عاد مجتمع الظلم و الاستغلال و العبودية لغير الله يضرب اطنابه من جديد في ارجاء الدولة الاسلامية، و التي لم يرد لها ان تكون بعد ذلك اسلامية الا بالاسم فقط.

و ظلت المثل الجديدة التي جاء بها الاسلام تمحي و تسحق تحت وطأة القهر و الاضطهاد و الافقار و التجويع و القتل، و منعت القيادة الحقيقية من ممارسة دورها الفعلي و الحقيقي لخلافة الله علي الارض، هدا الدور الذي لا يتمثل بقيادتها روحيا فقط و الشخوص امامها مثالا حيا علي اخلاق الاسلام و سلوكه و انما في قيادة الامة في كل المجالات و منها المجالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و التربوية السلوكية لتحقيق اكبر قدر من الخير و التوازن في ظل الاسلام الذي فصل مقومات هذه الخلافة و واجباتها و دور كل فرد من المجتمع المسلم في هذه المسيرة المستمرة.