بازگشت

الفتوحات الاسلامية علي عهد الامويين أمجاد زائفة


و امر آخر يضيفه بعض المؤرخين و الكتاب الي امجاد الدولة الاموية في عهدي معاوية و يزيد، و هو اشتغالها بالفتوح و توسيع رقعة الدولة الاسلامية ان امرا كهذا لو كان يتم في ظروف صحية عادية لكان قد تم علي غير الصورة التي تم عليها في عهد الامويين.

فقد كان شعور المسملين باستئثار الامويين بالسلطة و المكاسب، مبعث خيبة امل كبيرة لهم، تولد عنه شعور باللامبالاة و اليأس و فقدان الشعور بالمسؤولية لدي فئات كثيرة منهم.

لقد كانت الفتوحات الاموية في عهدي معاوية و يزيد استمرارا للفتوحات التي سبقتها، و التي ما كان لها ان تتوقف، و الا ولدت ردود فعل معادية ضد الحكم، لان المسلمين عرفوا ان من مهامهم الاساسية نشر الاسلام في الارض كما اراد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و حماية الثغور و الاطراف. و لم يكن حجم الفتوحات التي تمت في


ذلك العهد كبرة علي المستويين الكمي و الكيفي، كما ان الجيش الذي جهزه معاوية لفتح القسطنطينية قد تراجع بعد ان (صمدت) هذه المدينة، و بعد ان استشهد عدد كبير من المسلمين، و برر انسحابها و تراجعها (بانشغال المسملين، بتولية يزيد و سوء الاحوال الجوية و قيام الروم بالقاء القذائف النارية علي سفن المسلمين، كما فشلت المحاولة الثانية في عهد سليمان بن عبدالملك و عمر بن عبدالعزيز و قد اضاع يزيد المغرب بعد ذلك ايضا.

اما الاقاليم التي سير معاوية الجيوش اليها للقضاء علي التمرد هي خراسان و الاقاليم الشمالية مثل سجستان، فانه لم ينجح في ذلك الا الي حين، و عندما تمت سيطرته علي بعضها عادت هذه الاقاليم للخروج و التمرد من جديد.

و عندما نتساءل: هل اريد لعمليات الفتوح هذه ان تكون مجرد مجال للكر و الفر، أو كانت عملا مستمرا مثمرا يدخل الناس في دين الله و لا يستهدف اضافة رقعة من الارض في مساحة الدولة المستظلة بظل حاكمها المستبد؟ و هل كان الغرض منها استحصال الجزية و الخراج و الخمس لتتكدس في خزينة الحاكم ليبعثرها كما شاء و يوزعها علي اتباعه و حاشيته؟ اما كان الامر كذلك فعلا؟ و ان الكثيرين من سكان البلاد المفتوحة سرعان ما تراجعوا بعد ان دخلوا في الاسلام لانهم عوملوا كما عومل غير المسلمين علي اساس نفس الاسلوب الذي سمعوا عنه و لم يشهدوه.

لقد كان احد دوافع الامويين لارسال الجيوش للفتوحات اشغال المناوئين و ارسالهم مع هذه الجيوش، كما كان يمهد لوضع البلاد في وضع استثنائي لايجاد حجة لضرب أي معارضة محتملة علي اساس وجود مواجهة مع العدو.

و لو ان الفتوحات الاسلامية تمت في ظروف صحية و اجواء سليمة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و بنفس الاسلوب و السرعة التين كانتا عليه زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لكان العالم كله قد انضوي تحت لواء الاسلام الي الابد، و لما خرج عنه أو ارتد عليه بعد ذلك احد قط.

لقد اعيقت الفتوحات الاسلامية في عهدي معاوية و يزيد، و كانت (الدولة الاسلامية) بعد ذلك، رغم قيامها علي غير الاسس التي كان ينبغي ان تقوم عليها، تمثل افضل شكل للحكم وجد علي وجه الكرة الارضية في ذلك الحين، في مقابل الحضارات المنهارة و انظمة الحكم الفاسدة التي كانت عرضة للسقوط و التآكل.


و ينبغي ان لا نخلط هنا بين حماس المجاهدين المقاتلين و حماة الثغور و دوافعهم الدينية المخلصة و بين دوافع الحكام الذين ارسلوا الجيوش للفتوحات، اذ ان الاسلام ظل دائما امام انظار هؤلاء المقاتلين المسلمين الذين لا نستطيع القول ان دوافعهم كانت لنيل المكاسب و المغانم، بل لتكريس و نشر دين الله القويم في الارض.