بازگشت

الفضل للاسلام لا لبني أمية أو بني العباس


ان فضل ذلك يعود بلاشك الي الاسلام، ذلك الدين الذي يدعو للخوض في غمار المعارف و البحث و الدراسة في مختلف امور الحياة و نشاطاتها، غير ان من المعلوم ان نهوض الامة أو قسم معين من ابنائها بهذه المهام العلمية و الحضارية لا


يعني نهوضها في كل المجالات الحياتية الاخري، و خصوصا في مفهوم الاسلام، الذي اراد لهذه الامة ان تقود البشرية كلها، لا ان تكون جزء سلبيا منقادا تابعا أو قليل التأثير أو عديمه علي الاطلاق.

و لم يكن تأثير الحضارة الاسلامية ضعيفا و لا مرحليا، بل انه و هذه حقيقة واقعة يحمل فعل تأثير دائم، كما انه يشكل الاساس للحضارة المادية المعاصرة في كل انحاء العالم، و خاصة في امور البحث في كافة العلوم كالرياضيات و الفلك و الجغرافيا و الطب و الهندسة و الكيمياء و غيرها.

غير اننا نتساءل: لو كانت الاجواء الاسلامية نقية و صافية من الدخان و الغبش و الغبار الذي كدرها و شابها، و لو لم يتصد لقيادة الامة من تصدي، فانحرف بها و بمسيرتها، و كانت كما اراد الله لها ان تكون خير امة اخرجت للناس أكانت ستؤثر نفس تأثيرها الاول؟ و هل كان ذلك التأثير سينقطع بعد ان دام فترة من الزمن؟ و هل كانت ستقف علي هامش الحياة بعد ذلك كما هو حالها الآن؟ متلقية متأثرة، ثم متخلية عن تراثها العمي و الاخلاقي و الروحي بعد ذلك، بعد ان لعب بها الجهل و التأخر و الانحطاط طيلة قرون عديدة...؟ اما كانت ستبقي في موقع الصدارة لحد الآن، ليمتد تأثيرها لا في مجالات العلوم و الفنون و حسب و انما في كل مجالات الحياة الاخري؟ اما كانت ستسحب تصورها و فهمها لحقيقة وجودها و وظيفتها علي من اثرت فيهم، لتنشر بينهم دين الله القويم كما فهمته أو بالشكل الذي كان يجب عليها ان تفهمه؟

هل يمكن ان يشبع هذا طموحنا و نقبع راضين سعداء لمجرد اننا كنا ذات يوم رجال تأثير علي مجري الاحداث في العالم، و كانت امتنا رائدة في مجالات العلوم و الفنون، و لا يهم ما يحدث لنا في المجالات الاخري من انحطاط و تأخر و ما نشهده الآن من الانقطاع المميت عن تلك الحضارة...؟

كان يمكن ان نفخر بشكل حقيقي لو كان المسيحيون متسلحين بما يتسلحون به الآن من علوم و منجزات حضارية و أثرنا عليهم، كما اثرنا عليهم فعلا و هم يتخبطون بظلام الجهل و التخلف.

و هل يعني ان المسيحيين الآن، و هم اكثر تطورا منا في مجالات العلوم و الانجازات الحضارية، يشكلون امما كاملة التطور، و انها قد وصلت الي القمة بكافة


المجالات الحضارية الانسانية، و ان حضاراتهم تحمل معها عوامل البقاء و النمو و الديمومة، و انهم بسبيلهم الي تطور اكبر و انهم قد أمنوا السقوط و الانحدار الي الابد؟

لقد رأينا بعض مظاهر نمو الحضارة الاسلامية في (ظل) الدولة الأموية، فاعتقد العديدون منا، و منهم من المحدثين الذين يتناولون التاريخ الاسلامي وفق تصورات غريبة محدثة، ان سبب ذلك كان تلك الدولة نفسها. و نتساءل ايضا: لو ان الدولة الاسلامية قد سادت منذ البداية كما اراد لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، هل كانت حضارتها ستبدو بذلك الشكل الذي بدت عليه فعلا ام انها ستكون أوسع و أشمل و أكثر قابلية علي التأثير و البقاء..؟

ان الحضارة الاسلامية لا تتمثل بعض جوانب الابداع في امور السياسة و الحكم و سن النقود و تدوين الدواوين و غيرها، و انما هي اوسع من ذلك، لا تتمثل بمجرد مظاهر عادية محدودة و انما بفعل حقيقي يمتد من داخل الانسان المسلم، ليتعامل مع الحياة و مع كل الظواهر الكونية و في التصور الاسلامي الحضاري الشمولي. و ضمن هذا الاطار الذي يتسع لكل فعاليات الانسان و نشاطاته و ابداعاته، لا لفترة زمنية محددة، و انما لامد غير محدود، فمادام الاسلام نفسه مؤهلا لبرمجة كل الفعاليات الانسانية، فهو قادر علي اشباع كل رغباته و تطلعاته، و تحقيق كل امنياته في الحرية و العمل و التفكير و العلاقات و الابداع و التطور.

و لنا ان نتساءل الآن، كم من المؤرخين قد تناسوا النكسة الاليمة التي حلت بالمسلمين نتيجة استلاب آل امية السلطة الشرعية و وقوفهم علي رأسها، و لم يحللوا عواملها و نتائجها الخطيرة، غير متحدثين الا عن تلك الانجازات الحضارية (الكبري) التي حصلت في عهدهم مثل سك النقود و تدوين الدواوين، مع ان ذلك سيكون نتيجة حتمية لكل تطور حياتي في اعقاب المعطيات العظيمة لدولة الاسلام الاولي، تطلبته معاملات الحياة التي تعقدت بعد الاتساع الظاهري لرقعة الدولة؟

هل نقيس النجاح و نحدد شرعية وجود تلك الدولة ببعض الانجازات (الحضارية)؟ و هل نستطيع القول ان الدولة الاموية دولة اسلامية ادت دورها بنجاح كامل، بدليل انها طورت بعض جوانب الحياة، و كانت لها (حضارة) لم تكن قد ظهرت للعرب قبل ذلك، (آخذين بنظر الاعتبار اننا نتكلم عن حضارة اسلامية لا


حضارة عربية)، و ان هذه الحضارة اوشكت ان تضاهي ببعض جوانبها حضارة الروم و الفرس؟

اين يمكن ان نضع (الحضارات) الحديثة وفق هذا المقياس؟ مع انها ليست مبنية علي اساس الاسلام اصلا، بل ان بعضها معاد له و لا يؤمن به اساسا؟

ان الخلط الذي نلجأ اليه عند تناول قضايانا الاسلامية المصيرية و التبريرات التي نلجأ اليها في اغلب الأحيان، لا تتيح لنا الفرصة الكافية للنظر بشكل دقيق و عادل الي هذه القضايا، و البت بامرها، لكي نتجاوز و آثارها، و لكي نضع انفسنا في فرص و اوضاع افضل للتفاهم و الحوار و حل المشكلات، و ننطلق الي فهم اكثر وعيا و اكثر موضوعية بشأن العديد من القضايا المستجدة و اللاحقة التي قد تواجهنا.

و قد يمكن القول: ان الحضارة الاسلامية في زمن الرشيد أو زمن ملوك الاندلس كانت اكثر تطورا من تلك المتحققة في زمن الدولة الاسلامية الاولي، فهل كان ذلك يعني ان دول اولئك كانت افضل من دولة الرسل صلي الله عليه و آله و سلم..؟ و نتساءل ايضا: لو استمرت قيادة المسلمين علي نفس النمط الذي كان عليه زمن تلك الدولة الاولي، و كما اعد لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، اكانت تلك الحضارة قد اكتفت بما وصلت اليه أو توقفت، ام انها كانت ستستمر و تتصاعد بشكل غير متوقع؟