بازگشت

الاثار السلبية، لاستبعاد النظام السياسي في الاسلام عن الحكم


ان الاسلام، دين لا يوجد له ممثل أمام الناس، الا أولئك الذين اندمجوا بروحه و قانونه و تصوره، و لم يكونوا بحاجة الي معبد مقدس يحرقون فيه البخور كذلك الذي أوجدته (الديانات) السابقة، و لم يكن هذا الدين بحاجة الي طقوس غريبة و لا أنماط من الفلسفات المعقدة و الهلوسات و التصورات و السفلسطات التي تتقاطع مع واقع الانسان و حياته و تفكيره السليم.

فهو دين يخاطب الفطرة المستقيمة مباشرة دون التواء و دون حاجة الي أي ايحاءات خارقة أو توجيهات من خارج الكتاب و السنة المطهرة، فهو نسيج وحده، غير متأثر بالأساطير و الخرافات أو الاطروحات البشرية المجردة، و قد أراد الله له أن يظل كخاتم للأديان البرنامج الوحيد الذي تسير البشرية علي أساسه الي النهاية، الي أن يرث الله الأرض و من عليها.

و من شأن دين كهذا، أريد له أن يظل لهذا الأمد الطويل، لتحكمه البشرية في حياتها، أن يتملك مقومات البقاء، و أن يبدي لمعتنقيه و الاخرين، صلاحيته الفعلية للممارسة و التطبيق، و اذا ما بدا أي خلل بأي جانب من جوانبه بفعل متعمد مقصود أو غير مقصود فان من شأن هذا أن يجر الي المزيد من الخلل، و من شأنه أيضا أن يضعف تأثيره علي معتنقيه، خصوصا اذا ما كان ذلك الفعل تم من قبل أناس أعلنوا انتماءهم له، سواء صحت نيتهم أم كانوا غير صادقين.


اذ كيف نبرر تصرفنا بحكم الهي قطعي، و استبداله بأحكام مغايرة من عندنا بحجة (الاجتهاد) و (النظر) للمسلمين (و وحدتهم) و (مصلحتهم)، و ما الي ذلك من تبريرات، لنكون بذلك قد هدمنا أركانا مهمة كان لابد أن تقوم عليها كل جوانبه الاخري.

و لم نأخذ علي عاتقنا هنا مناقشة كل ما حدث من قبل معاوية، الا بالقدر الذي يفيدنا في هذه الدراسة، غير أننا نتساءل مرة أخري: كيف حدث أن قبل المسلمون بيزيد خليفة و ممثلا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قبلها كيف حصل أن قبلوا بمعاوية خليفة. ان المسألة ليست مسألة صراع شخصين متكافئين علي الحكم، اذا لو كان كذلك لما تصارعا في دولة الاسلام ماداما يمتلكان نفس التصورات و نفس الوعي و الفهم و الحرص علي أمور الأمة و مقدراتها، و لو أنه تم في دولة قيصرية أو كسروية أو فرعونية، لرأينا مبررا لذلك، لكنه عندما يتم في دولة الاسلام الناشئة التي أريد لها أن تمتد في كل العالم و تحكم الي الأبد وفق تصور رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، في تصوراته و رؤيته و حياته، و نري أن ممثله هو من أبعد الناس عنه و عن تصوراته و قيمه و حياته و فهمه، فهذا ما لا يستطاع فهمه.

ان نتيجة هذا الأمر، لا تنسحب علي المدي القصير و الموقت فقط، و انما ستظل تلوح أمام المسلمين علي امتداد الأزمان دمارا و خرابا و سقوطا، و هذا ما حدث بالفعل، اذ أصبحنا نعاني و نحن نبعد عن تلك الفترة بحوالي أربعة عشر قرنا من نتائج ذلك الحدث المخزي و كأنه يقع أمامنا الآن.

و اذا ما استبعدنا ما تولد عن ذلك الوضع الشاذ من أحزاب و تيارات و مذاهب و قوي متنافرة، فان أكبر نكسة يعانيها المسلمون لحد الآن هو استبعاد الاسلام بشكل فعلي عن حياتهم، و لو لم يكن هذا الدين يملك عناصر القوة و الديمومة و النفاذ، و لو قد أتيح لمن تصدي له و عاداه بعد أن اخترقه و انتسب اليه أن ينفذ خططه كما أراد، لما عدنا نري الاسلام، حتي من خلال الشعائر و الطقوس التعبدية المظهرية.

و مع ذلك، فان الاسلام قد استبعد عن ممارسة دوره في هذه الحياة، و قد أدت نتائج الانحراف الي ضعف التصورات الاسلامية الصحيحة، و نشوء حالات واسعة من اللامبالاة و عدم الاهتمام و التميع بين صفوف المسلمين، مما أتاح للمبادي ء الغريبة و الأفكار و التيارات الدخيلة أن تنفذ اليهم علي مر العصور، و تفعل فعلها فيهم و تشكلهم بأشكالها و تطبعهم بطابعها. لقد كانت تلك نكسة أليمة عاني منها المسلمون


طيلة عهودهم و لا نزال نحن نعيش آثارها و نتائجها، اذ أننا باستبعادنا الأشكال الصحيحة للتصورات و الممارسات و التوجهات الاسلامية، و استبدالها بأشكال أخري أحيانا بفعل فقهاء الدولة و وعاظ السلاطين و سدنة العروش و المعابد الملكية، و عندما رأينا أن هذا الدين لم يعد الا مجرد تعاليم كتبت علي الورق و لم يعد الا خيالا غامضا لاح لنا أو لأجدادنا في زمن مر و انقضي، ثم لم يتكرر ثانية، عدنا نعتقد أن هذا الدين قدر له أن يطبق في عهد الأمين الذي أنزل عليه و هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و انه لم يكن مكرسا ليطبق علي مر العصور، و ربما كان فيه من (المثالية)، و عدم الواقعية مما جعله لا يستجيب لمتطلبات الحياة و واقعها، و ان علينا نحن أبناء هذه الحياة التي نعيشها فعلا، أن نجد لنا منهجا آخر، ينظم لنا حياتنا و يضمن لنا سعادتنا و حريتنا، و عساه أن يكون كيفما كان، في الديمقراطية الغربية: و في الاشتراكية أو في الوجودية أو غيرها، فنحن لم نجد لهذا الدين دولة و سلطة فعلية تتحكم في الحياة و تقود و تنظم كل برامجها و فعالياتها.

و الا فهل نحن مطمئنون حقا اننا عشنا و نعيش في ظل انظمة اسلامية حقيقية..؟

لقد اعتمدت الاساليب و التصرفات الاموية التي بررت بالضرورة و الحاجة و المصلحة و الحفاظ علي الجماعة و وحدة المسلمين الخ، لا كمبررات أو تصرفات شخصية اعتمدها الحكام الامويون منذ عهد معاوية لتعزيز سلطة العرش لا غير، و انما كسنن اسلامية اخذ بها من جاء بعدهم من العباسيين و غيرهم، و عززوها بمختلف الوسائل و الذرائع و الاساليب بدعم من مؤسسات اسلامية فقهية و تشريعية متخصصة تدين بالولاء للعروش الحاكمة، فلا تري أي مبرر أو حجة للخروج عليها أو التصدي لجورها و انحرافها، مهما كان سلوك الحاكم، و حتي اذا كان فاسقا أو فاسدا مشهورا بفسقه و فساده، متجاهرا به،غير متحرج منه.

و كانت بعض (الاحاديث) التي نسبت للرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم قد ثبتت في مراجع الدولة و كتبها و ادبياتها، و نشرت في مدارسها، و كلها أكدت علي عدم جواز نزع البيعة أو الرجوع عنها، و عدم جواز الخروج علي الحاكم الفاسق، و الا كان مصير من يفعل ذلك، لا مجرد عقاب صارم من هذا الحاكم، و انما جهنم، و بئس المصير.

لقد كان وجود يزيد (خليفة) فرصة ذهبية لمن تسلموا الحكم بعد ذلك، ليقوموا للناس: نحن افضل من يزيد، و مع ذلك فقد كان يزيد (خليفة) مطاعا في وقت لايزال


فيه بعض اصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم احياء، و لا زال بعض التابعين، بل الالاف منهم يلتفون حوله، و لا يرون في بقائه علي العرش من ضرر، و ربما لم يتكلم بعضهم الا بعد ان مات يزيد، فما حجة رفضكم لنا، و قد قبل من كان اسوأ منا (خليفة) علي المسلمين؟

و بذلك برر ابن خلدون في مقدمته حكم يزيد و بقاءه (خليفة) و عدم جواز الخروج عليه و اعتبر ان الحسين عليه السلام قد اخطأ (بالخروج) علي يزيد و رفضه له مع انه لم يخطي ء بالحكم الشرعي لانه منوط (بظنه)، و هي مغالطات و الا عيب لفظية ملتوية لجأ اليها ابن خلدون و اضرابه مبررين وجود حكام آخرين علي نمط يزيد (غير انهم لم يقتلوا الحسين عليه السلام نفسه)، يقول ابن خلدون:

(لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره، بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأي الحسين ان الخروج علي يزيد متعين من اجل فسقه لا سيما من له القدرة علي ذلك و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته، فاما الاهلية فكانت كما ظن و زيادة، و اما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها لان عصبية مضر كانت في قريش و عصبية عبدمناف انما كانت في بني أمية، و اصبحت مضر اطوع لبني امية من سواهم بما كانت لهم من ذلك قبل فقد تبين لك غلط الحسين الا انه في امر دنيوي لا يضره الغلط فيه، و اما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه و كان ظنه القدرة علي ذلك، و لقد عذله ابن العباس و ابن الزبير و ابن عمر و ابن الحنفية اخوه في مسيره الي الكوفة و علموا غلطه في ذلك، و لم يرجع عما هو بسبيله لما اراده الله و اما غير الصحابة الذين كانوا بالحجاز و مع يزيد بالشام و العراق و من التابعين لهم، فرأوا ان الخروج علي يزيد و ان كان فاسقا لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج و الدماء فأقصروا عن ذلك و لم يتابعوا الحسين و لم ينكروا عليه و لا اثموه لانه مجتهد و هو اسوة المجتهدين، و لا يذهب بك الغلط ان تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين و قعودهم عن نصره، فانهم اكثر الصحابة و كانوا مع يزيد و لم يروا الخروج عليه، الخ). [1] .

و لنا تعليقات علي مااورده ابن خلدون بخصوص ثورة الحسين عليه السلام عند استعراض الثورة و نتائجها غير ان ما نود ذكره هنا: ان الامة بررت قعودها عن كل


حاكم منحرف، بما برر به أولئك (الصحابة) قعودهم عن حرب يزيد و عدم التحاقهم بركب الثورة، و ربما تبرر بذلك الي اليوم كل قعود لها و تكاسل عن مواجهة الانحراف و منعه.


پاورقي

[1] مقدمة ابن خلدون 240 / 239.