بازگشت

النظام الفرعوني الأموي، أصول هرقلية و كسروية


ان الرجوع بنمط الحكم الاسلامي الي الاساليب الطاغوتية السائدة قبل الاسلام، يشكل اكبر نكسة حلت بالمسلمين، و قد غضوا ابصارهم عنها و تساهلوا بشأنها و لم ترتفع الا اصوات قليلة اخمدت في النهاية، و ابيد اصحابها، و أسكتوا


بأقسي وسائل القمع التي عرفت و التي لا تزال عندما تذكر تشعر المرء ان مرتكبيها لا يمكن بأي حال من الاحوال ان ينتموا الي الجنس البشري.

و لو ان الصراع كان بين فردين ينتميان الي عائلة قيصرية أو كسروية، لربما وجدنا بتصور أولئك المتصارعين ما يبرر قيامهم بذلك، و لو أن حادث يزيد و صعوده (خليفة) تم في ظل امبراطورية لا تعترف بالاسلام، أو تدين به، لربما وجد من يبرر قيام معاوية و يزيد بما قاما به من خروج سافر علي نمط الحكم الاسلامي الذي تم الانحراف عنه فعلا، أما عندما تكون المبررات (اسلامية) فاننا لا نستطيع حل التناقضات التي حملتها تلك المبررات، و لا نستطيع تفسير سبب سكوت المسلمين عن المتناقضات التي أوجدتها الدولة الجديدة، و تلك العمليات التمهيدية الضخمة التي استمرت سنينا طوالا، و عمل فيها معاوية (بجدارة) علي تغيير طبيعة المسيرة الاسلامية و تشويه التصور الاسلامي و قلبه و جعله تصورا أمويا مصلحيا تجاريا بحتا، لا ينظر للأمور الا من خلال المصلحة الأكيدة للطبقة الحاكمة، و الا من خلال السيطرة التامة و الاستغلال المباشر لكل فئات الأمة، و استقطاب الأعوان الذين يعملون علي تكريس الرؤية الأموية الجديدة و المغايرة تماما للرؤية الاسلامية الصحيحة.

لقد كان قيصر أو هرقل من (نعاج) السيد المسيح، بالتعبير الكنسي المسيحي، ينحني للصليب، و يتناول الخبز المقدس و يعمد بالماء المقدس، غير أن الكنيسة التي ادعت حق تمثيل المسيح، أعطت حقا لقيصر في أن يتحكم برقاب الناس، و يكون ملكهم المطلق، علي أن يخضع ظاهريا للطقوس الكنسية، و علي أن يسمح للكنيسة باقتطاع حصتها من الغنيمة الكبيرة التي يأخذها قيصر من الرعية، و أن تفرض سيطرة ثانوية لها هي، يكون من شأنها أن تعزز سيطرة قيصر نفسه، مادام قد ضمن لها أن تعيش بجانبه و تسالمه و تدعو الي مصالحه و لا تتجاوز عليه.

لقد تنازلت الكنيسة أمام قيصر، مبررة تنازلها بنصوص من (الكتب المقدسة) منسوبة الي السيد المسيح عليه السلام و كنت تري الي جانب كل فرعون كاهنا يحرق له البخور و شفتيه علي الصليب المقدس، و يلبسه رداء الدين و طيلسانه.

و لكي ينجح فرعون أو قيصر في نزع رداء الدين الحقيقي عن الشعب، فان عليه أن يرتدي هو رداء ينسبه الي الدين، مادام الدين ضروريا الي الدرجة الكبيرة التي رآه بها الشعب.


و حتي العهود و الالتزامات و القوانين المكتوبة و غير المكتوبة التي فرضها فرعون و كذلك قيصر علي شعبيهما، أراد لها أن تكون سنة، لها نفس تأثير السنن و القوانين الالهية.

كان قانون فرعون هو القانون الأعلي الذي لا ينبغي اختراقه أو تجاوزه، و كان قانون قيصر هو القانون الأعلي، و كذلك قانون كسري، و كل قانون طاغوتي آخر، و ما علي الدين اذا ما أراد ان يتعايش معه بسلام الا أن ينحني أمامه و يستجيب لرغباته، و يكون غطاء شرعيا يبرر كل تصرفاته و أفعاله و تجاوزاته. لقد تنازل المعبد أمام فرعون، و تنازلت الكنيسة أمام قيصر، و وجدت مبررات التنازل من قبل (ممثلي) الكنيسة و المعبد، و كرس الأمر ليكونا في النهاية الهين يمارسان ما يشاءان من أعمال و تعديات علي السلطة الالهية الحقيقية دون أن يحتاجا لمن يبرر لهما أعمالهما.