بازگشت

تمهيد معاوية لخلافة يزيد، عد تنازلي للسقوط


لقد رأينا كيف ان معاوية مهد لخلافة يزيد بقوله انه لم يكن خيرا ممن جاء قبله و انه افضل ممن سيجي ء بعده، و ان يزيد نفسه قال انه ليس افضل من معاوية، و انه لا يرقي اليه، كما انه لا يشتغل بطلب علم و لا يعتذر عن جهل... الخ، ان المقصود من ذلك ان يضع الامة امام واقع يجعلها تقبل أي (خليفة) من السلالة الحاكمة مهما كان مستواه، و اذا ما مر (خليفة) افضل ممن جاء قبله، فاننا نري التصفيق و التكبير و التهليل بظهور خليفة (راشد) جديد رغم بعد العهد (بالخلفاء الراشدين) كما حدث مع عمر بن عبدالعزيز، فلماذا اخفوا رؤوسهم في الرمال و اكتفوا بايجاد المبررات الشرعية لاعمال من سبقوه، و طاروا من الفرح به لا في عهده و انما بعد ذلك، و كأنهم يبرهنون به علي كفاءة الدولة الاموية و صلاحها.

لقد مرت علينا القصة التي قال فيها معاوية ليزيد: ما تراك فاعلا لو وليت و اصبحت خليفة؟ قال يزيد بحماسة: كنت اذا و الله اسير بهم بسيرة عمر بن الخطاب. فضحك معاوية و قال له: لقد جهد ابوك ان يعمل بسيرة عثمان فعجز، فكيف تستطيع انت ان تعمل بسيرة عمر...؟

قصص عديدة موضوعة في اغلب الظن تطالعنا من بين الاحداث، تصور لنا ان الامر لابد ان ينحدر في النهاية، لانه ليس في الامكان التشبه حتي بالخلفاء السابقين،و حتي بعثمان أو معاوية، رغم كل ما فيه مما يعرفه المسلمون و ما تعرضه وقائع


التاريخ علينا و مع الاسف، فان حيلة معاوية هذه انطلت حتي علي رجال اذكياء باحثين، فرأوا ان كل من عاش في عهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان يمثل قمة لا يستطيع احد الوصول اليها بعد ذلك، و ان اعمالهم العظيمة كانت تطوعية و لم يكونوا ملزمين بها، و هكذا برر لمعاوية و يزيد انحدارهما و سقوطهما...

(و لكنا لا نحاسب احدا بمقتضي ذلك التطوع النبيل، و لا نحاسب بني امية و لا بني العباس و لا آل عثمان و لا غيرهم بتلك القمم الشاهقة التي وصل اليها افراد في المجتمع المسلم في عهد الذروة، كان علي رأسهم الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم انما نحاسبهم يما فرض الله عليهم فرضا و جعل النكول عنه ذنبا يساءلون عنه امام الله يوم القيامة، فيغفر سبحانه لمن يشاء و يؤاخذ من يشاء) [1] .

اننا علي هذا الاساس نتوقع حسابا عاديا لمن أخذ علي عاتقه تولي مسؤولية الامة كلها يتساوي مع حساب ابسط انسان عادي، و الله غفور رحيم يغفر سبحانه لمن يشاء و يؤاخذ من يشاء، و كأننا نذكر ذلك لتذكيره جل و علا بما علمنا هو و نطلب منه طي سجل العقوبات بأجمعه.

لقد استطاع معاوية قبيل موته ان يقول ليزيد بسهولة متناهية مطمئنا الي مستقبله:

(يا بني اني قد كفيتك الرحلة و الترحال، و وطأت لك الاشياء، و ذللت لك الاعداء، و أخضعت لك اعناق العرب، و جمعت لك من جمع واحد). [2] .

و في خطابه الاخير هذا يعلن استسلام الامة كلها ليزيد غير نفر عديدين ذكرهم، و وقوعها فريسة بين يديه له ان يتصرف بها و يلهو كيفما شاء، بعد تلك الجهود المضنية التي بذلها فكأنه رأي ان الامر كله لعبة و سياسة لا شأن للدين أو القيم الالهية به بتاتا.


پاورقي

[1] کيف نکتب التاريخ، محمد قطب 117.

[2] الطبري 260 / 3.