بازگشت

تناقض الطروحات السياسية الاموية مع القرآن


و اذا ما رجعنا الي اقوال فقهاء الدولة المأجورين، الذين اعتمدت اطروحاتهم فيما بعد، كأطروحات لسلف صالح متمكن، و اقرب عهدا الي زمن الرسالة الاول، و رأينا كيف ان بعضها يؤكد علي (التمسك) بالبيعة و عدم الخروج عنها و لا يهم كيف تمت هذه البيعة و كيف ان الامام الفاق لا يعزل لأي سبب، و ان هذه البيعة تتم حتي لو انعقدت بشخصين أو شخص واحد، و ان هذا الذي جعل ابن عمر، يخشي الخروج علي يزيد بعد ان اعطاه بيعته، و ان امامة المفضول جائزة.

و عرضنا هذه الاطروحات علي مجمل ما طرحه القرآن الكريم و بين لنا كيف ان خلفاء الله هم الانبياء اولا، و اوضح لنا مجمل الخطوط التي ينبغي علينا ان لا نخرج


عنها، أو ان نأخذ ببعضها و نترك البعض الآخر، و اذا ما عرضناها ايضا علي سنة الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم المجسد الاعظم لخلافة الله علي الارض، رأينا ان اقوال هؤلاء (الفقهاء) الذين اسندوها الي احاديث اما موضوعة من قبل محدثي الدولة و وعاظ السلاطين فيها، أو مؤولة أو مبنية علي امور و اوضاع مستحدثة لم تكن قائمة اصلا في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ان اقوالهم بهذا الاتجاه الذي يجيز للامة ان تسير وراء امام فاسق أو جائر أو مفضول، و تجعله قائدا لها و رائدا لمسيرتها، امر تبدو العبثية فيه و الرغبة في اللعب بقضايا خطيرة تمس مصير الامة التي تمتد حياتها عبر العصور، ممثلة بالآف الملايين من البشر من حقهم ان يعيشوا وضوح الاسلام و رؤية الاسلام، و حياة الاسلام، لا حياة يجرون فيها خلف طغاة و فراعنة و فسقة جهلة يحيطون انفسهم بمنظرين و فقهاء و مفسلفين، يجورون لهم ما لم يجيزه الله جل و علا شأنه.

لقد اطلعنا علي الحديث تاريخية عديدة، استشار فيها (الخلفاء) فقهاءهم حول بعض الامور التي كان الجميع يعلمون ان الخروج عليها غير جائز، فافتي لهم هؤلاء بتخريجات و تبريرات (شرعية) منمقة، اشاروا فيها الي جواز الخروج عن بعض الامور بحكم الضرورة أو المصلحة، و ان لا مانع من ذلك ان استغفروا ربهم.. أو غير ذلك، و انهم كخلفاء غير محاسبين امام الله نهائيا مع ان اعمالهم قد تسبب اهدار دم العشرات و تشتيت اهليهم و العبث بمقدراتهم.

قال عبدالرحمن بن زيد بن اسلم: (لما ولي يزيد بن عبدالملك قال: سيروا بسيرة عمر بن عبدالعزيز، فأتي باربعين شيخا فشهدوا له ما علي الخلفاء حساب و لا عذاب). [1] .

ان ما يعالجه الفقه الاسلامي من امور الحياة علي اساس الشريعة الاسلامية، ليس هو من قبيل الترف الفكري و المسائل الفلسفية و الجدلية التي لا تتعلق بصميم حياة الناس، لذلك فان علينا ان نقيس اهمية ما يطرحه كل فقيه بمجمل ما يطرحه من مسائل جدية معاشة تعالج امور الحياة و مستجداتها.

و لذلك فاننا نجد ان التوجه الفقهي الذي يتيح للخليفة ان يفسق و ان يجور و ان يخرج عن الاسلام خروجا علنيا سافرا و تبرئته من كل ذنب أو تبعة بعد ذلك، لا يقصد


منه الا اتاحة الفرص لاولئك المتسلطين و الذين لا يملكون الحدود الدنيا من المؤهلات للوثوب علي الامة و علي الاسلام، و الاستحواذ علي اخطر مهمة يأخذها بشر علي عاتقه، و الرجوع الي نفس النمط العائلي الوراثي القديم الذي سارت عليه السلالات الفرعونية و القيصرية و الكسروية من قبل، و هو ما سعي اليه معاوية حينما حاول التمهيد لقيام حكم وراثي مطلق يبدأ بيزيد اولا و استمر فعلا و نمط (الخلافة) علي هذا الاساس الوراثي الفرعوني المستبد فيما بعد، بفضل فقهاء الدولة و محدثيها المتحلقين حول عروش الخلفاء الفراعنة.

و لم تكن مؤهلات أي (خليفة) ينحدر من احدي هذه السلالات الاموية و العباسية و غيرها تتجاوز كونه ابن خليفة و حسب، اما ما عدا ذلك فقد حدثتنا عنه وقائع التاريخ و احداثه الحزينة الباكية.


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء 229.