بازگشت

الخلافة الاسلامية و الخلافة الأموية، عرض و مقارنة


و هنا لابد لنا من العودة الي مفهوم الخلافة في الاسلام، خلافة الانسان علي الطبيعة، و خلافته علي الناس الآخرين، اخوانه في الانسانية، لنري الي أي حد بلغت نقاط التطابق و الافتراق بين خط (الخلافة الاموية) في عهدي معاوية و يزيد، لاننا نؤرخ لهما، و بين خط الاسلام المرسوم و المحدد بدقة و عناية و حسم من قبل الله جل و علا.

اننا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار، كل وجهات النظر الاسلامية حول مفهوم الخلافة، نري انها تجمع علي انها عقد مكتوب موثق، أرساه القرآن الكريم، و أوصحه الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم بسنته المطهرة. و ما اراده الله لخليفته من صفات، جسدها هو أولا، ثم جسدها من بعده وصيه أميرالمؤمنين عليه السلام بقيادته الفعلية للامة خلال عهده القصير.

و من هنا فان بيعة الامة لاي (خليفة)، حتي و لو لم تنطبق عليها شروط الاستخلاف، كما هو الحال مع معاوية أو يزيد، اشترطت العمل بكتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و معني هذا، ان أي خروج علي هذا العقد الالهي بالاستخلاف، يجعل هذا العقد مفسوخا بشكل طبيعي، لأن احد طرفي الاستخلاف و هو الانسان (الخليفة)، مادام لم يلتزم بما اراده المستخلف و هو الله سبحانه و تعالي، فانه أخل بالعقد و شروطه و خرج عنه، أي انه غير مؤهل و غير قادر لتطبيقه و السير بموجبه، مهما كانت الاعذار التي يسوقها لهذا الخروج المتعمد عن هذا العقد.

ان تحقيق مشيئة الله و قدرته و احكامه ليست مرهونة بهذا الانسان القابل الانحراف و الخطأ و العجز، و انه لا يمكن تحقيقها الا عن طريقه هو، فأي اختيار جعل زيدا من الناس يقوم بمهمة الخلافة دون وعي كامل بشروطها و التزاماتها..؟

ولا يصح هنا الا الاختيار الالهي، فهو وحده الذي اثبت صوابه و صحته، ان الاختيار الالهي للانبياء، و جعلهم يتمتعون بقدر من العصمة و الشعور العالي بالمسؤولية، لابد ان يستمر عن طريق هؤلاء الانبياء لاختيار خلفائهم، ممن يتمتعون بذلك القدر العالي من المسؤولية، مسؤولية الاستخلاف و حمل الامانة الثقيلة، اذ ان عمر الرسالة ينبغي ان لا يكون مرهونا بعمر الرسول الذي يعيش مدة محدودة علي هذه الارض، و انما ينبغي ان يستمر من خلال خلفاء الرسول و من خلال الائمة


القادرين علي ذلك. فالخليفة امام و قائد، يتمتع بقدرة استثنائية علي فهم الرسالة و استيعابها، و شرح احكامها و مفرداتها و تنظيم العمل بها و ادائها و تطبيقها كما يريد الله سبحانه و تعالي، و يفهم مسؤولياته الجسيمة امام الله و امام الامة ايضا.

و من العبث ان نتصور ان دور الامام القائد المعد من قبل الرسول لا ينبغي بالضرورة ان يمتد الي ما بعد وفاة الرسول، و ان الرسالة قد استكملت جوانبها الادائية لكل المستجدات الحياتية، و ان الحياة ستكرر بنفس الاسلوب و النمط اللذين كانا سائدين في عهده، و ان أي امري ء (مقبول) و (مرشح) من المسلمين يمكن ان يقوم بنفس المهمة التي قام بها الرسول و بالنسبة للرسالة الاسلامية، باعتبارها خاتمة الرسالات التي لم تنسخها أو تأت بعدها رسالة اخري الي ان يرث الله الارض و من عليها، فان مبدأ استمرار الامامة بعد النبوة، يبدو ضروريا بشكل ملح تقتضيه العناية الالهية التي طلعت علي البشرية بهذه الرسالة الكاملة الأخيرة، و التي لا تريد لها حتما الضياع و الاهمال و الاندثار، و انما تريد لها ان تظل هي المنهج الوحيد للانسانية كلها في كل العصور.

و بغض النظر عن الملابسات التي رافقت تاريخنا الاسلامي و جعلت منصب الامامة أو الخلافة لا يأخذ دوره الطبيعي المرسوم، كما اراد القرآن الكريم و الرسول العظيم، فان وصول المسلمين الي حال قبلوا فيه اشخاصا امثال معاوية و يزيد و اضرابهما، ممثلين لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم امر لابد ان يعد انتكاسة هائلة لهذا الدين و محاولة لئيمة لمنعه و ايقافه من الانتشار و النمو.