بازگشت

هل انتهي الاسلام في عهد بني أمية؟ ضجة مفتعلة


لقد اثار بعض الكتاب ضجة حول ادعاءات مزعومة تقول ان الاسلام قد انتهي في عهد بني امية، و ان علي هؤلاء الذين يقولون ذلك أن يطمئنوا، و لا تهزهم الزوبعة الاموية التي هبت علي العالم الاسلامي.

(ينبغي ان نلغي ذلك الايحاء الخبيث بان الاسلام قد انتهي بعد الخلافة الراشدة. و يكون ذلك بعرض الواقع الاسلامي بامانة كاملة و بدقة، كذلك بانحرافاته و استقامته معا في وقت واحد، و سيتبين لنا بالحساب، حساب مجموع الانحرافات و مجموع الاستقامات، ان الحصيلة المتبقية ضخمة جدا رغم وجود الانحراف و يكون هذا بالتالي فرصة سانحة لتقدير عظمة هذا الدين و ضخامته و اصالة جذوره في التربة و تعمقها بحيث يجتث منها ما اجتثته الدولة الاموية ثم تبقي منه هذه الحصيلة الضخمة، و تبقي تلك الحيوية التي تسعي لنشر الدين في الأرض بكل اصرار، و التدفق و الحماس التي قام بها المسلمون في العهد الاموي بالذات) [1] .

ان الايحاء بانتهاء الاسلام خبيث حقا و مقصود، غير ان التساؤل يبقي هنا: ألم يكن الامويون يسعون لانهاء الاسلام فعلا، و الاحتفاظ بقشرته الخارجية ان صح التعبير لا مكانية استثمارها لاضفاء الشرعية علي (حكمهم الاسلامي)؟ اذ لو زالت هذه


القشرة نهائيا، فتحت أي مبرر كان يمكن لهم ان يبسطوا سلطانهم و نفوذهم المطلق علي الامة؟ و اية كفاءات استثنائية تمتعوا بها اتاحت لهم السيطرة عليها، ان لم يكن عن هذا السبيل الممهد و المقبول و المألوف و هي ادعاء خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليتسموا بها ظاهريا و يحولوها الي ملك استبدادي مطلق في الواقع؟

هل عاد احد يسمع عند مبايعة معاوية أو يزيد أو السلالة الاموية المتعاقبة علي الحكم، تلك النغمة القديمة التي طلبت من أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه العمل بكتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و سيرة الشيخين مع انه كان اشد العارفين بكتاب الله و سنة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و من اشد الملتزمين بهما، أم ان هذه الشروط قد اختفت، و لم توضع الا امام أميرالمؤمنين عليه السلام فقط لانها ارادت اعاقة استخلافه و تبوئه مركز القيادة لهذه الامة؟ أكان وضعها امامه لكي يلتزم بها لانه لم يكن ملتزما بالاسلام و لا يعرف حدوده؟ ام انها كما قلنا للأخذ علي يده و منعه من اداء دوره في ظل ظروف طبيعية صحيحة؟

لماذا لم يكرر الامر مع معاوية أو يزيد أو غيرهما؟

ان الاسلام لم ينته، و هو موجود، فعوامل القوة فيه تشع دائما و تتغلب علي كل محاولات الاعداء لطمسه و ايقاف مسيرته، الا اننا نتحدث عن الصورة المشوهة له في العهد الاموي.

دعونا لا نكرر تلك المغالطات التي طلع بها علينا وعاظ السلاطين (و فقهاء الدولة و علماؤها) المتكسبين (بفمهم و علمهم) و نروح في جدل بيزنطي حول امكانية عزل الخليفة الفاسق من عدمه، و حول امكانية استخلاف المفضول رغم وجود الافضل؛ و دعونا نعيش مع المجتمع الاسلامي الاول في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و نتساءل بجدية: هل قدر لهذا الدين ان يبدو بالصورة التي بدا عليها بعد نصف قرن فقط، أو اقل من ذلك، بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ و هل كان مقدرا له أن يسير هذه المسيرة التنازلية؟ تري كيف سيبلغ الحال بعد عشرة قرون اذا ما سار وفق ذلك العد التنازلي المشؤوم؟ لابد انه سيطمر حينذاك و يندثر استنادا لما شهده خلال اقل من نصف قرن.

لماذا نسكت علي هذا الخرق الفاضح و التعدي المقصود علي الاسلام و علي امة الاسلام، و نسميه مجرد انحراف، و نحمد الله علي انه قد بقيت لنا مجموعة من الاستقامات كافية لتشييد بنائنا الاسلامي من جديد؟


ان الاسلام قائم فعلا و حي فعلا، كما ان طبيعة التصور الاسلامي للفرد المسلم لا يتيح له ان يفكر بعدم قدرة الاسلام علي قيادة الحياة وفق تصوراته و قيمه و مبادئه كلها، و الا يكون بذلك قد خرج عنه، مادام لم يعتقد بصلاحيته لذلك، اذ ان الايمان مسألة متكاملة في ذهن المؤمن، لا يمكن التفريط باي جانب منها، غير اننا في مجال تشخيص عللنا و اوضاعنا، و ما شاب تاريخنا من حوادث جسام ادت الي ان تتخذ حياتنا مسيرتها الحالية التي تتخذها الان، فهل نري ان علينا السكوت عن الأخطاء الكبيرة، بل الجرائم و الخروج المتعمد علي الاسلام، و نروح نبررها بنفس «عقلية فقهاء الدولة الذين لا يكفون عن الجدل و النقاش مادامت الدولة الاموية المكرورة المعادة تتكفل أرزاقهم و معايشهم، و نقول: عفي الله عما سلف و انه غفور رحيم، و ان ما حدث كان نتيحة اجتهاد تأول فيه معاوية و اخطأ، و تأول فيه يزيد فاخطأ، و تأول غيرهما فأخطأوا، و لا ندري علي أي اساس تكرر ذلك التأويل الخاطي ء عشرات المرات، و بأمور خطيرة تهم الامة بأكملها،؟ هل تحملا هما نتائج (اخطائهما و انحرافاتهما) ام تحملتها مليارات الناس منذ ذلك الحين و الي يومنا هذا، و انعكس تأثيرها علي الاسلام انتكاسة كبيرة شاملة منعت نهوضه و تقدمه و انتشاره كما ينبغي ان يكون...؟

و هل السكوت عن اخطاء معاوية و يزيد و غيرهما سيحسم المسألة و يوقف الانحراف،و لن يظهر ثانية فراعنة و طواغيت جدد امثالهما يعبثون بالاسلام و يسخرونه لا غراضهم و مطامعهم بنفس الحجج التي لجأ اليها أولئك و بنفس الاساليب التي اتبعوها؟

ان تشخيص المرض و لو بعد وقت متأخر قد يعمل علي ايقاف سريانه و انتشاره، و قد يمنع تكرار حدوثه في مكان آخر، و هذا ما ينبغي ان نفعله، و ان لا نخجل من ذلك بحجة اننا يجب ان لا نكشف عيوبنا و اخطاءنا امام الآخرين الغرباء من أبناء الديانات الاخري و اعدائنا الملحدين الضالين، و من شأن عرض هذه الاخطاء ان نتيح الفرصة لهم جميعا لتضخيمها و عرضها علي انها عيوب في ديننا الاسلامي، باعتبار ان اولئك كانوا قادة المسلمين لفترة لا يستهان بها من الزمن، و قد قبلتهم الامة و (ارتضتهم) قادة لها) كما يزعم العديدون منا نحن.

ان الامر غير ذلك بالتأكيد، و ان علينا ان لا نتهيب من الظهور بمظهرنا الحقيقي الواضح و نزيل الالتباس عن كل وقائع تاريخنا و نناقشها بوضوح و عدالة، لان من شأن


ذلك ان ينبهنا الي ضرورة التصدي، بل و كيفية التصدي ايضا لكل انحراف محتمل، و الوقوف بوجهه، و منعه من التكرار، لكي لا يكون حالة سائدة مقبولة، كما كان الحال في العهد الاموي.


پاورقي

[1] کيف نکتب التاريخ 123.