بازگشت

معاوية المتستر و يزيد المتهتك ثغرة في بنية المجتمع الاسلامي


لقد كان تمادي يزيد في اظهار سلوكه الفاضح امام الامة، و عدم التزامه و لو بالحدود الدنيا من الانضباط و الجدية، مثار قلق لمعاوية منذ البداية و قبل ان يرشحه (أميرالمؤمنين)؛ و قد نصحه في غمرة استعدادته لهذا الامر، ان يظهر للناس صفحة مغايرة لتلك التي عرفوها عنه، و أوصاه بالالتزام الظاهري ببعض الفروض العبادية مثل الصلاة، ليتسني له كسب ولد الناس و احترامهم متي ما لمسوا فيه هذا الاستعداد للتقرب من هذا الدين الذي احبوه و تمسكوا به رغم المحاولات الدؤوبة لابعادهم عنه، و الذي يبدو ان يزيد قد ابتعد عنه و قلاه، و ربما لم يتعرف عليه نهائيا. (... و احضر الصلاة، فانك اذا فعلت ما اوصيك به، عرف الناس لك حقك و عظمت مملكتك و عظمت في اعين الناس). [1] .


و كان يدرك ان لا طاقة ليزيد بذلك، و انه لن يستطيع التقرب من الامة عن هذا السبيل، فاوصاه ان لا يتظاهر بسلوكه الفاضح امامها علي الاقل، و يتكتم جهد امكانه، لأن من شأن ذلك ان يؤدي في النهاية الي اثارة المشاكل بوجه الخليفة المرتقب الصغير السن و القليل الخبرة، و الذي لا يملك من (الدهاء) ما يملكه والده، و ان طيشه و غروره و نزقه، اذا ما اضيف الي الشباب و البطالة و الدعة، قد يجر عليه المصائب بعد ذلك و يوقعه في مآزق و أزمات، و قد ترفق في نصيحته،اذ انه ربما علم انه لا يستجيب له لو بالغ في النصيحة أو استعمل الشدة، و قد يرفض حتي (الخلافة) في سبيل ملذاته و مسراته، و في هذا ما فيه من خيبة امل كبيرة لمعاوية تقضي علي كل احلامه و طموحاته لبسط سيادة ذوية علي الامة في مملكة وراثية تمتد لآجال و آجال. (... فأحب ان يعظه برفق، فقال له:

يا بني ما اقدرك علي ان تصل الي حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك و قدرك و يشمت بك عدوك و يسي ء بك صديقك). [2] .

انه لا يمنعه من ممارساته الشاذة البعيدة عن الاسلام، و لم ينكر عليه فعله، الا لأن ذلك قد افتضح و علمت به الامة، و اصبح يشكل مؤاخذة كبيرة قد تجر عليه المشاكل و تكون احد اسباب اسقاطه في النهاية مما يجعل عدوه يشمت به، علي حد تعبيره، و ما نظن انه فكر، عندما نطق هذه العبارة، الا بذلك (العدو التقليدي) المتمتل بعلي و آله عليه السلام، فهؤلاء هم (المتصدون) المحتملون لكل انحراف، حتي و لو كان قد وقع من رأس السلطة الحاكمة.


پاورقي

[1] البداية و النهاية 233 / 8.

[2] نفس المصدر 318 / 8.