بازگشت

البيعة تحت ارهاب السيوف


فبعد ان أيس من اقناع النفر الذين عارضوه، جمعهم، و حذرهم بقوله:

(... انه قد أعذر من أنذر، اني كنت اخطب فيكم، فيقوم الي القائم منكم


فيكذبني علي رؤوس الناس فأحمل ذلك و اصفح، و اني قائم بمقالة، فاقسم بالله لئن رد علي احدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع اليه كلمة غيرها حتي يسبقها السيف الي رأسه، فلا يبقين رجل الا علي نفسه.

ثم دعا صاصب حرسه بحضرتهم فقاله: أقم علي رأس كل رجل من هؤلاء رجلين، و مع كل واحد سيف فان ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفهما. ثم خرج، و خرجوا معه حتي رقي المنبر.. ثم قال: ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين و خيارهم لا يبتز امر دونهم، و لا يقضي الا عن مشورتهم، و انهم رضوا و بايعوا ليزيد، فبايعوا علي اسم الله فبايع الناس، و كانوا يتربصون بيعة هؤلاء النفر، ثم ركب رواحله و انصرف الي المدينة، فلقي الناس اولئك النفر، فقالوا لهم: زعمتم انكم لا تبايعون، فلم رضيتم و اعطيتم و بايعتم؟ قالوا: و الله ما فعلنا. قالوا: ما منعكم ان تردوا علي الرجل؟ قالوا: كادنا و خفنا القتل، و بايعه أهل المدينة) [1] .

علي ان روايات اخري تؤكد ان الامام الحسين عليه السلام لم يكن مع هؤلاء النفر.

و قد روي ابن قتيبة في الامامة و السياسة قصة مشابهة تختلف بعض التفصيلات و قد جاء فيها ان معاوية. (أمر من حرسه و شرطته قوما ان يحضروا هؤلاء النفر الذين ابوا البيعة، و هم الحسين بن علي، و عبدالله بن عمر، و عبدالله بن الزبير، و عبدالله بن عباس و عبدالرحمن بن أبي بكر، و اوصاهم معاوية فقال: اني خارج العشية الي أهل الشام، فاخبرهم ان هؤلاء النفر قد بايعوا و سلموا. فان تكلم احد منهم بكلام يصدقني أو يكذبني فيه، فلا ينقضي كلامه حتي يطير رأسه فحذر القوم ذلك فلما كان العشي، خرج معاوية، و خرج معه هؤلاء النفر، و هو يضاحكهم و يحدثهم، ثم خرج بينهم، و اظهر لاهل الشام الرضا عنهم، أي القوم و انهم بايعوا. فقال: يا أهل الشام ان هؤلاء النفر دعاهم أميرالمؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين، و قد بايعوا و سلموا، قال ذلك و القوم سكوت، و لم يتكلموا شيثا حذر القتل، فوثب اناس من أهل الشام فقالوا: يا أميرالمؤمنين، ان كان رابك منهم ريب، فخل بيننا و بينهم، حتي نضرب اعناقهم، فقال معاوية: سبحان الله، ما احلي دماء قريش عندكم يا أهل الشام، لا


اسمع لهم ذاكرا بسوء، فانهم قد بايعوا و سلموا، و ارتضوني فرضيت عنهم، رضي الله عنهم.

ثم ارتحل معاوية راجعا الي مكة، و قد اعطي الناس اعطياتهم، و اجزل العطاء و اخرج الي كل قبيلة جوائزها و أعطياتها و لم يخرج لبني هاشم جائزة أو عطاء) [2] .

و ربما تكون وقائع هذه الرواية الثانية و ما فيها من تفصيلات اقرب الي اخراج معاوية و تركيبته و اخلاقه، و قد انصرف الي الشام بعد ان اكمل مهمته بنجاح منقطع النظير، و هو امر جدير بأمثاله من الساسة المحنكين، المحاكين لتجارب القياصرة و الفراعنة.

و اذا ما تصورنا هذا الموقف، حيث معاوية، و اعوانه شاكي السلاح، علي استعداد لقطع رقبة أي متكلم، مهما كان كلامه، و هو علي استعداد لتنفيذ وعيده، و من اشهر فوق رؤوسهم السيوف يعلمون ذلك، و انه ما كان ليتواني عن تنفيذ تهديده، فالمسألة مصيرية بالنسبة له، والكل يعلم كم بذل في سبيلها من جهود و طاقات استمرت فترة طويلة من الزمن، بدا لنا المشهد واضحا، و لعل اصوات أهل الشام التي ارتفعت مطالبة بقطع رؤوس المعارضين، كانت بايعاز مباشر منه، و كانت من فصول اللعبة الاخيرة التي يقوم باعدادها لتنصيب يزيد، و لو ان احدا من المعارضين قتل، ربما كانت مسؤولية قتلة سيتحملها احد القتلة المباشرين و يتنصل منها معاوية، و ربما ادعي ان المقتول اراد الاعراب عن رغبته في مبايعة يزيد فلم يتح له القاتل فرصة ذلك، ليعمل معاوية بعد ذلك علي سد افواه ذويه بالاموال لكي يسكتوا و ربما بقطع رقابهم ايضا.

و اذا ما تساءل احد: اذا كان الامام الحسين عليه السلام و هو من نتكلم عنه هنا (خاف) القتل، فكيف نبرر استبساله بعد عدة سنين و اقدامه علي مواجهة السلطة بكل اجهزتها و قوتها و عدم تراجعه أو ابداء استعداده لوضع يده في يد يزيد رغم تعرضه الاكيد للقتل و الابادة؟

اما ما كان الاجدر به ان يقف موقفه هذا منذ البداية، حتي و ان قتله معاوية؟ ليسجل له، بدل ان تسجل عليه هذه النقطة من (التراجع).؟


و هو سؤال له مبرراته بنظر من لم يعرف الحسين عليه السلام و لم يعرف معاوية.

ان الامام الحسين لم يخف القتل قطعا، و لكنه علي فرض حضوره ذلك الاجتماع لم يرد لدمه ان يذهب هدرا ان يحقق للامة شيئا، و دون ان يجعلها ذلك تصحو من سباتها و تنتفض علي جلادها، بل ان هذا الجلاد سيعمد بما اوتي من مهارة كبيرة في المكر و الغدر، الذي يسميه هو دهاء الي تشويه قضيته عليه السلام امام الأمة، و عرضها كفتنة أو نزوة جاشت في رأسه كما قال له فعلا في احدي المرات، و ستمكنه براعته في التضليل و امكاناته في الثروة و المال علي تزويرها بل و محوها و نسيانها وطيها الي الابد.

فلم يكن الامام عليه السلام مغامرا كما صوره اعداؤه و لم تكن حياته عنده رخيصة الي الحد الذي يبذلها و يضحي بها دون سبب وجيه، و اي امر اكثر وجاهة من انقاذ الامة برمتها من مخالب فرعون و ظلم فرعون و ضلال فرعون؟

و هذا امر سنتحدث عنه في حينه بعون الله غير ان ما يهمنا هنا ان نزيل الشبهة من رؤوس الذين يظنون ان الحسين عليه السلام كان يمكنه ان ينحني امام سيف القتلة، و يمكنه ان يتراجع عن المنهج الذي وضعه جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قد اصبح هو المسؤول الاول و المؤهل الاول لحمله و تطبيقه و قيادة الامة علي اساسه.

و الا فهل دل حاله عليه السلام علي انه هادن الدولة الظالمة و استسلم لها؟ ام ان ما عمله هو تفويت الفرصة علي معاوية لتنفيذ مخططه بتنصيب يزيد و قتله هو، و اسكات الامة الي الابد؟

لقد امتلك معاوية رصيدا لا بأس به بين صفوف أهل الشام، و آل امية في الحجاز، و وجد من يعتبره خليفة حقا و صحابيا جليلا مفضلا، و اذا ما قام باستئصال آل البيت فان لديه القدرة علي غلق الملف كله، و تنفيذ كل مآربه بحرية و مرونة اكثر، و هذا ما جعل الامام الحسين عليه السلام يفوت الفرصة عليه عدة مرات عندما اراد استدراجه للثورة، أو اعلان موقفه برفضه هو...؟ و سنري لماذا لم يستجب الامام عليه السلام لمن دعاه للثورة في زمن معاوية.

اما يزيد فانه لم يكن يمتلك ذلك الرصيد، و كان مكشوفا امام الامة كلها، و هذا من شأنه ان يوضح عدالة قضية الحسين عليه السلام امامها، و يكشف لها عمق الهوة التي انحدرت اليها، و مدي الانحراف الذي وصلت اليه، و من شأن ذلك ايضا ان يجعلها


تنبه بشكل اقوي الي حالها السيئة في ظل الدولة الجائرة و حاكمها الذي تسلط عليها في غفلة من الزمن و في ظروف غير طبيعية هي ابعد ما تكون عن الظروف التي عاشتها في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

لقد اراد الامام الحسين عليه السلام ان ينبه الامة الي انها اذ قبلت بيزيد بديلا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و استساغت ذلك، بعد ان استدرجت لهذا الحال، فانه عليه السلام يدلها بفعل مؤثر حاسم ان تدرك مدي انحدارها و ما سوف تصير اليه ان هي بقيت في حالها المهينة و انحرافها المتسارع.

و مع كل ذلك فاننا لا نزال نري الي اليوم من يبرر شرعية وجود يزيد خليفة علي المسلمين و يبرر ما قام به من اعمال للحفاظ علي مملكة والده، و هو امر لابد ان له اسبابه و دوافعه عند هؤلاء، و سنحاول ان نناقشها في الوقت المناسب بعون الله.

غير اننا نؤكد بايجاز هنا: ان ما دعي أميرالمؤمنين عليه السلام للسكوت عن حقه و قد اوضحه في عدة مناسبات هو الحفاظ علي الاسلام من الانحراف، و التعطيل ثم النسيان الي الابد، و هو ما دعي الامام الحسن عليه السلام الي توقيع وثيقة الصلح مع معاوية، هو نفسه الذي جعل الامام الحسين عليه السلام يسكت عن معاوية رغم وضوح موقفه من يزيد، فمعاوية كان قادرا علي تمييع القضية من الاساس بعد ان يستأصل الحسين عليه السلام و آله، و هو ما بدا قادرا عليه، للاسباب التي ذكرناها و عرفها القاري ء خلال استعراضنا لشخصية معاوية الفريدة المتميزة بعبقرية الشر و دهاء الشيطان، و هو يسعي سعيه الحثيث لاكمال اكبر و أخطر لعبة له، و هي استخلاف يزيد.



پاورقي

[1] ابن‏الاثير 355 - 354 / 3.

[2] العقد الفريد 121 / 5.