بازگشت

رد الحسين علي مغالطات معاوية فضح الصبح فحمة الدجي


و في محاولة اخيرة من معاوية لاقناع الامام الحسين عليه السلام بمبايعة يزيد، استدعاه الي مجلسه مع ابن عباس و عرض عليهما الاستجابة لذلك قائلا:


(... و قد كان من امر يزيد ما سبقتم اليه و الي تجويزه، و قد علم الله ما احاول به في امر الرعية من سد الخلل و لم الصدع بولاية يزيد بما ايقظ العين و احمد الفعل. هذا معناي في يزيد، و فيكما فضل القرابة، و حظوة العلم و كمال المروءة، و قد اصبت من ذلك عند يزيد علي المناظرة و المقابلة، ما اعياني مثله عندكما و عندكما و عند غيركما، مع علمه بالسنة و قراءة القرآن، و الحلم الذي يرجح بالصم الصلاب...) [1] .

و كان بذلك يشير الي امكانية تفضيل من لا سابقة له علي غيره، و هو ما يريد ان يفعله بشأن يزيد، و قد فوت عليه الامام الحسين عليه السلام فرصة تمرير ذلك و قال:

(و ذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تأميره له، و قد كان ذلك و لعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول و بيعته له، و ما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتي انف القوم امرته، و كرهوا تقديمه، و عدوا عليه افعاله، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحكام و أولاها في المجتمع عليه من الصواب ام كيف صاحبت بصاحب تابعا و حولك من لا يؤمن في صحبته و لا يعتمد في دينه و قرابته). [2] .

فهو عليه السلام أشار هنا الي تجربة اسلامية سابقة امر فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ثم عدل بعد ذلك لما رأي كراهية اصحابه له، و وعدهم بان يتولي هو قيادتهم، و بذلك فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اقر امرا آخر و تخلي عن قراره السابق عندما رأي ان مصلحة المسلمين تقتضي ذلك.

وقد ادرك الامام عليه السلام ان معاوية قد بالغ في مدح يزيد،مع ان سيرته مكشوفة


امام الامة كلها، و ذكره بما هو عليه حقا، و ما يقوم به من عبث و لهو طائش بعيد عما ذهب اليه معاوية و بالغ فيه، و قد اجابه عليه السلام بكلمة طويلة جاء فيها:

(هيهات هيهات يا معاوية، فضح الصبح فحمة الدجي، و بهرت الشمس انوار السرج، و لقد فضلت حتي افرطت و استأثرت حتي اجحفت، و منعت حتي محلت، و جزت حتي جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه نصيب، حتي اخذ الشيطان حظه الاوفر، و نصيبه الاكمل و فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله و سياسته لامة محمد، تريد ان توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا، و تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، و قد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما اخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، و الحمام السبق لأترابهن و القيان ذوات المعازف، و ضرب الملاهي تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول فما اغناك ان تلقي الله من وزر هذا الخلق باكثر مما انت لاقيه. فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، و حنقا في ظلم، حتي ملأت الاسقية، و ما بينك و بين الموت الا غمضة، فتقدم علي عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، و رأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر و منعتنا عن آبائنا تراثا، و لقد لعمر الله اورثنا الرسول عليه الصلاة و السلام ولادة و جئت لنا بما حجحتم به القائم عند موت الرسول، فأذعن للحجة بذلك، ورده الايمان الي النصف، فركبتم الاعاليل و فعلتم الافاعيل، و قلتم كان و يكون، حتي اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اولي الابصار.

كيف صاحبت بصاحب تابعا، و حولك من لا يؤمن في صحبته و لا يعتمد في دينه و قرابته، و تتخطاهم الي مسرف مفتون، تريد ان تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه، و تشقي بها في آخرتك، ان هذا لهو الخسران المبين) [3] .

كان رد الامام الحسين عليه السلام واضحا وضوحه كل مرة، و قد حذر معاوية من مغبة الاستمرار في سعيه لاستخلاف يزيد الخبير بالكلاب المهارشة و الحمام السبق، و القيان ذوات المعازف و ضرب الملاهي، و خوفه من عذاب الله و هو وارد عليه حتما كما اخذ عليه سلوكه و سيرته المشينة في المسلمين، و قد اصبح ولي امرهم و القائم علي شؤونهم علي غفلة من الناس و خلاف رغباتهم.


و ربما كان معاوية يحسب انه بتقريبه الامام عليه السلام من مجلسه و مجاملته قد يجعله يستجيب لما عزم عليه من جعل يزيد وليا لعهده، و يبدو انه فقد الامل نهائيا باستجابة الامام عليه السلام لذلك.


پاورقي

[1] نفس المصدر السابق 186 - 185.

[2] نفس المصدر السابق 187.

[3] نفس المصدر 187 - 186.