بازگشت

الرحلة الثانية الي المدينة المنورة محاولة لترويض المعارضين الخمسة


ظن معاوية ان زيارته الاولي للمدينة عام خمسين ستأتي اكلها و يستجيب كافة اهلها لمسألة مبايعة يزيد خليفة من بعده، و بعد محاولاته العديدة لاكتشاف مواقع المعارضة و مدي قوة كل منها، و بعد ازاحة اكبر عقبة وقفت في طريق تنفيذ مشروعه و هو الامام الحسن عليه السلام باغتياله، اصبح يري نفسه اكثر حرية في الدعوة الي يزيد، و قد وضع احد رجاله الاشداء و هو سعيد بن العاص واليا علي المدينة بدلا من مروان، و طلب منه ان يثبت لهذا الامر و يجس نبض المعارضة مرة اخري بعد تسليمه رسائل لبعض من رفضوا الاستجابة لاوامره بمبايعة يزيد، و في مقدمتهم الامام الحسين عليه السلام.

و قد رأينا الرد الحازم الذي تضمنته رسالة الامام عليه السلام و رفضه الاكيد للبيعة، و هذا ما جعل معاوية يطلب من عامله سعيد:

(ان يأخذ أهل المدينة بالبيعة ليزيد، اخذا بغلظة و شدة، و لا يدع احدا من المهاجرين و الأنصار و ابنائهم، حتي يبايعوا، و أمره ان لا يحرك هؤلاء النفر، و لا يهيجهم، فلما قدم عليه كتاب معاوية، اخذهم بالبيعة اعنف ما يكون من الأخذ و اغلظه، فلم يبايعه احد منهم. فكتب الي معاوية: انه لم يبايعني احد، و انما الناس تبع لهؤلاء النفر، فلو بايعوك بايعك الناس جميعا، و لم يتخلف عنك احد. فكتب اليه معاوية يأمره ان لا يحركهم الي ان يقدم). [1] .

و قدم معاوية لهذا الغرض، معلنا انه قد جاء حاجا، و من المؤكد انه اراد حسم المسألة نهائيا و اجبار الناس علي مبايعة يزيد قبل رجوعه، و في رحلة الذهاب الملكية الطويلة استحضر كل خبراته و دهائه و حيله لانجاز الفصل الجديد، و ربما الاخير لاكمال البيعة، و لم يعدم معاوية الوسائل اللازمة لتنفيذ مآربه و اخراج هذا الفصل بطريقة فنية مبتكرة.

و كان أول ما فعله ان حاول التقرب من أهل المدينة و استمالتهم بمخالطتهم و محادثتهم و اغداق الاموال و الكلمات المعسولة عليهم.


(فلما ان دنا من المدينة، خرج اليه الناس يتلقونه، ما بين راكب و ماش، و خرج النساء و الصبيان، فلقيه الناس علي حال طاقتهم، و ما تسارعوا به في الفوت و القرب، فلان لمن كافحه، و فاوض العامة بمحادثته و تألفهم جهده، مقاربة و مصانعة، ليستميلهم الي ما دخل فيه الناس، حتي قال في بعض ما يجتلبهم به: أهل المدينة ما زلت اطوي الحزن من وعثاء السفر، بالحب لمطالعتكم، حتي انطوي البعيد، و لان الخشن، و حق لجار رسول الله ان يتاق اليه. فرد عليه القوم: بنفسك و دارك و مهاجرك، اما ان لك منهم كاشفاق الحميم البر، و الحفي المتعاهد) [2] .

و هي خطوة اراد بها تجريد المعارضة التي يتزعمها الامام الحسين عليه السلام من الغطاء الجماهيري الذي كان يلتف حوله، بالنزول الي الشارع و استمالة بسطاء الناس و عامتهم وضعافهم، و هو ما لم يقم به قبل ذلك.

و قيل انه عندما (كان بالجرف لقيه الحسين بن علي و عبدالله بن عباس، فقال معاوية مرحبا بابن بنت رسول الله و ابن صنو ابيه، ثم انحرف الي الناس، فقال: شيخا بني عبدمناف، و اقبل اليهما بوجهه و حديثه فرحب و قرب، و جعل يواجه هذا مرة، و يضاحك هذا اخري، حتي ورد المدينة، فلما خالطها لقيته المشاة و النساء و الصبيان، يسلمون عليه و يسايرونه الي ان نزل فانصرفا عنه). [3] .

علي ان ابن الاثير ذكر في حوادث سنة ستة و خمسين ان معاوية عامل الحسين عليه السلام معاملة خشنة و قال له:

(لا مرحبا و لا اهلا، بدنه يترقرق دمها و الله مهريقه قال: مهلا فاني و الله لست بأهل لهذه المقالة. قال: بلي ولشر منها. و لقيه ابن الزبير فقال: لا مرحبا و لا اهلا خب ضب تلعة يدخل رأسه و يضرب بذنبه و يوشك و الله ان يؤخذ بذنبه و يدق ظهره، نحياه عني. فضرب وجه راحلته، ثم لقيه عبدالرحمن بن أبي بكر فقال له معاوية: لا أهلا و لا مرحبا شيخ قد خرف و ذهب عقله، ثم امر فضرب وجه راحلته، ثم فعل بابن عمر نحو ذلك...) [4] .


و لعل تهديداته هذه كانت في زيارته الاولي سنة خمسين لان عبدالرحمن بن أبي بكر توفي سنة ثلاث و خمسين غير ان ابن الاثير قرن هذا الحادث بحادث دخول معاوية علي عائشة و محادثته معها و قولها له:

(و قد بلغها انه ذكر الحسين و اصحابه فقال: لا قتلنهم ان لم يبايعوا فشكاهم اليها فوعظته و قالت له: بلغني انك تتهددهم بالقتل، فقال: يا ام المؤمنين هم اعز من ذلك و لكني بايعت ليزيد و بايعه غيرهم، افترين ان انقض بيعة قد تمت؟ قالت: فارفق فانهم يصيرون الي ما تحب...) [5] .

و هذا ما تم سنة ست و خمسين. و قد ذكر ابن الاثير ان معاوية غير موقفه منهم بعد ذلك عند ذهابه الي مكة و تلقي الحسين عليه السلام قائلا:

(مرحبا و اهلا بابن رسول الله و سيد شباب المسلمين، فأمر له بدابة فركب و سايره، ثم فعل بالباقين مثل ذلك، و أقبل يسايرهم و لا يسير معه غيرهم حتي دخل مكة فكانوا اول داخل و آخر خارج و لا يمضي يوم الا و لهم صلة، و لا يذكر لهم شيئا حتي قضي نسكه و حمل اثقاله و قرب مسيره، فقال بعض اولئك النفر لبعض: لا تخدعوا فما صنع بكم هذا لحبكم و ما صنعه الا لما يريد، فاعدلوا له جوابا..) [6] .

و ذكر ابن الاثير ايضا ان معاوية خطب بالمدينة:

(فذكر يزيد فمدحه و قال: من احق منه بالخلافة في فضله و عقله و موضعه، و ما اظن قوما بمنتهين حتي تصيبهم بوائق تجتث اصولهم، و قد انذرت ان اغنت النذر، ثم انشد متمثلا:



قد كنت حذرتك آل المصطلق

و قلت يا عمرو اطعني و انطلق



انك ان كلفتني ما لم اطق

ساءك ما سرك مني من خلق



دونك ما استسقيته ذا حسب و ذق) [7] .

و لعل لقاءه بالحسين عليه السلام لم يكن من قبيل الصدفة، كما ان اشارته الي بني عبدمناف لم تكن اشارة عارضة، و انما اشارة مقصودة الي هذا البيت الذي يضم بني


امية اضافة لبني هاشم، و هي اشارة يقصد منها الاشادة بأمية بعد ان حط منها الاسلام بما فعلته هي ضده.

و ربما كان هذا الترحيب بالحسين عليه السلام و مسايرته و مضاحكته يقصد منه ايهام الناس بان الحسين عليه السلام في طريقه لان يستجيب لمشروعه في استخلاف يزيد.

و قد أكد معاوية لعائشة عزمه علي مبايعة يزيد قائلا:

(ان امر يزيد قضاء من القضاء، و ليس للعباد الخيرة من أمرهم، و قد اكد الناس بيعتهم في اعناقهم و أعطوا عهودهم علي ذلك و مواثيقهم. افترين ان ينقضوا عهودهم و مواثيقهم؟ فلما سمعت ذلك عائشة علمت انه سيمضي علي أمره). [8] .


پاورقي

[1] الامامة و السياسة 182 / 1.

[2] المصدر السابق.

[3] الامامة و السياسة 183 - 182.

[4] ابن‏الاثير، الکامل 353 / 3.

[5] المصدر السابق.

[6] نفس المصدر السابق 354 - 353 / 3.

[7] نفس المصدر السابق 354 - 353 / 3.

[8] الامامة و السياسة 184 - 183 / 1، الطبري 248 / 3.