بازگشت

رسالة الامام الحسين الي معاوية وثيقة تاريخية خالدة


و لنقرأ رسالة الامام الحسين عليه السلام الي معاوية:

(اما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت اليك عني امور، لم تكن تظنني بها، رغبة بي عنها، و ان الحسنات لا يهدي لها، و لا يسدد اليها الا الله تعالي، و اما ما ذكرت أنه رقي اليك عني، فانما قاء الملاقون، المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، و كذب الغاوون المارقون، ما أردت حربا و لا خلافا، و اني لأخشي الله في ترك ذلك، منك و من حزبك، القاسطين المحلين، حزب الظالم و اعوان الشيطان الرجيم، ألست قاتل حجر و اصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع، و يأمرون بالمعروف، و ينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظلما و عدوانا، من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليطة، و العهود المؤكدة، جراءة علي الله و استخفافا بعهده، أولست بقاتل عمرو بن الحمق، الذي خلقت و أبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعد ما اعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال. أولست المدعي زيادا في الاسلام، فزعمت انه ابن أبي سفيان، و قد قضي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان الولد للفراش


و للعاهر الحجر؟ ثم سلطته علي أهل الاسلام، يقتلهم و يقطع أيديهم و ارجلهم من خلاف، و يصلبهم علي جذوع النخل؟ سبحان الله يا معاوية، لكنك لست من هذه الأمة، و ليسوا منك. أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب اليك فيه زياد انه علي دين علي عليه السلام، و دين علي هو دين ابن عمه صلي الله عليه و آله و سلم، الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه، و لولا ذلك كان افضل شرفك و شرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء و الصيف، فوضعها الله عنكم بنا، منة عليكم؟ و قلت فيما قلت: لا ترد هذه الامة في فتنة، و اني لا أعلم لها فتنة أعظم من امارتك عليها، و قلت فيما قلت: انظر لنفسك و لدينك و لأمة محمد، و اني و الله ما اعرف افضل من جهادك، فان افعل فانه قربة الي ربي، و ان لم افعله فاستغفر الله لديني، و اسأله التوفيق لما يحب و يرضي. و قلت فيما قلت: متي تكدني اكدك، فكدني يا معاوية، فيما بدا لك، فلعمري لقديما يكيد الصالحون، و اني لأرجو ان لا تضر الا نفسك، و لا تمحق الا عملك، فكدني ما بدا لك، و اتق الله يا معاوية، و اعلم ان لله كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها، و اعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة، و أخذك بالتهمة، و امارتك صبيا يشرب الشراب، و ملعب بالكلاب، ما اراك الا و قد اوبقت نفسك و اهلكت دينك و أضعت الرعية...) [1] .

و في هذه الرسالة التي ربما توقع معاوية انها ستكون رسالة اعتذار و ايمان مغلظة يؤكد فيها الحسين عليه السلام انه لم يقم بأي عمل ضد الدولة، فوجي ء معاوية بكلام يستسخف قوله و يؤكد له انه لا يزال كعهده يقتل بالظنة و يأخذ بالتهمة، و ان هذا الاسلوب الاموي (الاحترازي) هو الذي يريد ان يتبعه معه، فيكتب اليه انه قد انتهت اليه عنه امور، مع ان ما انتهي اليه قد يكون من نسج خياله أو من الملاقين المشائين بالنميمة المفرقين بين الجمع.

و رغم تأكيد الامام علي رفض بيعة يزيد، الا انه يؤكد بوضوح ايضا انه لم يقم بعمل من شأنه اثارة الحرب علي معاوية مادام معاوية حيا.

ان الرسالة بمجملها شهادة من الحسين عليه السلام بانه لم يقر اعمال معاوية، الا انه حفاظا علي الصلح الدي اجراه الامام الحسن عليه السلام معه، لم يثر حربا أو خلافا، مع انه يؤكد ان الاجدر به لو قام بذلك، و يعرف مغبة تركه، و يعتذر الي الله في ذلك.


ان تأكيده علي عدم القيام بحرب أو خلاف للاطاحة بمعاوية، يفوت الفرصة عليه للقيام بأي اجراء عدواني ضد آل البيت عليه السلام، و ربما كانت رغبة معاوية الحقيقية ان يقوم الحسين عليه السلام بأي تحرك معلن ضده ليقوم بقتله و عرض المسألة كلها علي انها فتنة، أو خلاف شخصي أو مطامع شخصية و لن يجد من يحاسبه أو يعترض عليه، خصوصا و ان له رصيدا بين فئات عديدة من ابناء الامة في الشام و العراق و مصر و الحجاز، و سينجد كل اعوان الدولة و جنودها لتغيير الحقائق و تزويرها كما فعل بشأن خروجه علي أميرالمؤمنين عليه السلام و حربه له.

و ربما كان معاوية في تلك الفترة لا يحسب كثير حساب لمجرد الاحتجاج أو الاعتراض بالقول، و ربما كان يمهد في المستقبل لا جواء لا تتاح فيها الفرصة حتي للاحتجاج اللفظي علي سياسة الدولة الاموية و اعمالها، و غالبا ما كان يصرخ:

«اني لا احول بين الناس و السنتهم ما لم يحولوا بيننا و بين ملكنا» [2] .

و قد تضمن القسم الثاني من رسالة الامام عليه السلام قائمة ببعض التجاوزات الكبيرة التي قام بها معاوية، حتي لكأنه و هو يقوم بها لا ينتمي نهائيا الي هذه الامة المسلمة، و كأنه ينتمي الي فئة تتبني عقائد و ديانات و افكارا تتعارض مع الاسلام و تتقاطع معه.

اما اشارته عليه السلام الي قتل ابن الحضرمي باعتبار انه علي دين علي عليه السلام، فهي اشارة بارعة الي اكبر و اخطر لعبة قام بها معاوية لايهام الناس بان دين علي هو دين آخر لا يمت الي الاسلام بصلة، و انه أي معاوية الممثل الحقيقي لهذا الدين و الوريث الشرعي الوحيد له، و هي فرية لا تزال لحد الان تنطلي علي العديد من المسلمين المخدوعين مع الأسف فيتحدثون كما اراد معاوية بالضبط عن دين علي و قرآن فاطمة و دين الشيعة، و كأنها اديان جديدة مبتدعة، و كأن دينهم ليس هو الاسلام و خطهم الذين هو خط أميرالمؤمنين، ليس هو خط الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

ان الدعاية الاموية نشطت منذ البداية بهذا الاتجاه الخطير لفصل المسلمين وعزلهم عن بعضهم واثارة الخلافات و الفرقة بينهم الي الابد، و يبدو انها بوجود


الحمقي و المأجورين و المتعصبين الذين يتصرفون دو روية أو تفكير، نجحوا في خطتهم الي ابعد حد.

و لعل معاوية اطمأن، و ابتسم راضيا عن هذه الرسالة، رغم الاسلوب الصريح الحاد، فليس الحسين عليه السلام من يقول شيئا و يكتم شيئا آخر، فهو يعلم انه ابعد الناس عن الكذب، كما ان ما اعلنه في رسالته هو حقيقة، و اذا فعل معاوية ما فعل بدافع المصلحة فان الحسين قد شجبه، و معاوية يعلم انه عليه السلام لا يقبل بذلك، سواء اعلن ذلك ام لم يعلنه.

ان الذي سرمعاوية حقا هو ان الامام عليه السلام لم يقم بشن الحرب و جهاده، مع انه قال أفضل عمل ان يقوم به، و انه يستغفر الله لأنه لم يفعله أما لماذا؟ فذلك ما لم يهم معاوية مادام الحسين عليه السلام لم يقم بعمل أو فعل حاسم ضده.

و لو قام الحسين عليه السلام بذلك لا عطي معاوية المبرر لقتله و استئصاله مع آل بيته و مواليه و اتباعه و لذهبت دماؤهم هدرا وضيعت قضيتهم و زيفت الوقائع و الحقائق، و لشن معاوية حربا معلنة قد تكون ناجحة ضد الاسلام و هذا ما لم ير نفسه بحاجة اليه حتي ذلك الحين.

و هذا ما يؤكد حقيقة سلامة توقيت الثورة بعد هلاك معاوية لتأتي اكلها كاملة في ايقاظ الامة من سباتها و غفلتها و استسلامها بذلك الشكل المهين لمعاوية و يزيد، و تنازلها بسهولة عن دينها و عقيدتها، و هو ما سنتحدث عنه عند تناول تفصيلات الثورة و نتائجها فيما تبقي من دراستنا هذه، بعون الله.

ان حقائق كثيرة يمكن استخلاصها من هذه الرسالة و أهمها التقاطع الحقيقي للحكم الاموي مع الاسلام، و هو ما لم ينكره معاوية ابدا، مبررا ذلك بدوافع المصلحة و منع الفتنة و الحفاظ علي وحدة الامة.

كما أن الرسالة تشير الي رفض الامام الحسين عليه السلام لمجمل السياسة الاموية و تصرفات حكامها، رغم انه لم يعلن فيها توقيتا معينا لثورة محتملة، و لم يستطع معاوية رغم براعته، استدراج الامام عليه السلام لكشف نواياه و خططه في المستقبل، الا معرفة موقفه الواضح بعدم الاستجابة لمبايعة يزيد بأي حال من الاحوال، مع أن ذلك لم يمكن معاوية من اتخاذ فعل حاسم سريع، لان يزيد لم يصبح (خليفة) بعد، و معاوية لم يزل حيا.



پاورقي

[1] نفس المصدر 181 - 180.

[2] ابن‏الاثير 374 / 3.