بازگشت

اجتماع معاوية مع العبادلة


و عند وصوله الي المدينة ارسل الي عبدالله بن عباس و عبدالله بن جعفر و

عبدالله بن عمر و عبدالله بن الزبير، مستبعدا الحسن و الحسين عليه السلام من هذا الاجتماع، اذ ما عساه ان يحتج امامهما اذا ما واجهاه بالوثيقة التي وقع عليها بنفسه و قد قال في هذا الاجتماع: (اما بعد، فاني قد كبر سني، و وهن عظمي، و قرب اجلي، و اوشكت ان ادعي فاجيب، و قد رأيت ان استخلف عليكم بعدي يزيدا، و رأيته لكم رضا، و انتم عبادلة قريش و خيارها و ابناء خيارها، و لم يمنعني ان احضر حسنا و حسيناالا انهما اولاد ابيهما علي، علي حسن رأيي فيهما، و شديد محبتي لهما). [1] .

و قد كان كلام معاوية و عزمه واضحين هنا، و بدا ايضا كأنه يستجيب لرغبة العبادلة لأن بيعة يزيد فيها لهم رضا علي حد تعبيره، و هم خيار الناس و ابناء خيارهم، و لعله باستدعائهم وحدهم اراد عزلهم عن القوة المعارضة الاخري الرئيسية المتمثلة بالامامين و مواليهم و مؤيديهم، و لعله اراد ايجاد فجوة بين المجتمعين كما سنري، فهو هنا قد اراد تشتيت المعارضة و ربما اراد زرع طموحات خاصة لدي بعضهم للخلافة، و بذلك يتمكن من التغلب عليهم جميعا و اضعافهم. و كان ردهم عليه رفضا قاطعا لمشروعه، و لعله اراد معرفة درجة الحماس في كل رد ليتخذ موقفه علي اساسه في المستقبل، و يتفرغ للرافضين الحقيقيين الذين لم يستطع مساومتهم لامور تتعلق بمواقفهم المبدئية أو بطموحاتهم الشخصية.


قال عبدالله بن عباس: (... ان الله جل ثناؤه اختار محمدا صلي الله عليه و آله و سلم لرسالته، و اختاره لوحيه و شرفه علي خلقه، فاشرف الناس من تشرف به و اولاهم بالامر اخصهم به، و انما علي الامة التسليم لنبيها اذ اختاره الله لها، فانه انمااختار محمدا بعلمه و هو العليم الخبير). [2] .

و قال عبدالله بن جعفر: (... فان هذه الخلافة ان اخذ فيها بالقرآن (فأولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله)، و ان اخذ فيها بسنة رسول الله، فاولوا رسول الله. و ان اخذ فيها بسنة الشيخين أبي بكر و عمر، فأي الناس افضل و اكمل و احق بهذا الامر من آل الرسول؟ و ايم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الامر موضعه لحقه و صدقه، و لأطيع الرحمن، و عصي الشيطان، و ما اختلف في الأمة سيفان ، فاتق الله يا معاوية، فانك قد صرت راعيا، و نحن رعية، فانظر لرعيتك فانك مسؤول عنها غدا، و اما ما ذكرت من ابني عمي و تركك ان تحضرهما، فوالله ما اصبت الحق، و لا يجوز لك ذلك الا بهما، و انك لتعلم انهما معدنالعلم الكرم، فقل أو دع) [3] .

فابن جعفر لم يدع هنا حجة لمعاوية، و ذكره بان الحسن و الحسين عليه السلام هما احق من ينبغي ان يلي امر هذه الامة، و حذره من مغبة ابعادهما عن هذا الحق، و عاب عليه عدم دعوته اياهما لهذا الاجتماع. اما عبدالله بن الزبير الذي مد انظاره لهذا الامر و طمح فيه مادام يزيد نفسه قد تطلع اليه فوضع عدة احتمالات امام معاوية ليعتمد احدها كخليفة مرشح، و جعل نفسه احد من يحتمل ترشيحهم، و لعل ذلك لم يفت معاوية و رأي فيه ثغرة للهجوم عليه و النيل منه و استبعاده و التفريق بينه و بين بقية المعارضين، فقد قال: (... ان هده الخلافة لقريش خاصة، فاتق الله يا معاوية، و انصف من نفسك، فان هذا عبدالله بن عباس، ابن عم رسول الله، و هذا عبدالله بن جعفر ذوالجناحين ابن عم رسول الله، و انا عبدالله بن الزبير ابن عمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و علي خلف حسنا


و حسينا و انت تعلم من هما، و ما هما، فاتق الله يا معاوية، و انتالحاكم بيننا و بين نفسك) [4] .

و ربما كان جواب ابن الزبير هذا كان مبعث ارتياح لمعاوية، لأن المؤهل الوحيد الذي لا يزال يشخص امامه و امام بقية المسلمين هو الامام الحسن عليه السلام ثم الامام الحسين عليه السلام من بعده، فاذا جاء من يقول ان الخليفة بعد معاوية قد يكون ابن عباس أو ابن جعفر أو ابن الزبير، فان ذلك يضعف موقف الامامين عليه السلام مادام بعض الناس يفكرون باحتمال اقامة خليفة غيرهما، و هذا ما يريده معاوية، مع انه قرع ابن الزبير و اجابه بانه آخر الناس المحتملين لذلك. و ان من سينال حصة من ذلك هما (ابنا عمه) ابن عباس و ابن عقيل... و حسب. اما عبدالله بن عمر فقد اجاب: (.. ان هذه الخلافة ليست بهر قلية، و لا قيصرية، و لا كسروية، يتوارثها الابناء عن الآباء، و لو كان كذلك كنت القائم بها بعد ابي...، فان كنت تريد الفتيان من قريش، فلعمري ان يزيد من فتيانها، و اعلم انه لا يغني عنكمن الله شيئا) [5] .

فابن عمر يستعبد هنا من احتمال ترشيحه، مع انه في النهاية تنازل و وعد معاوية بان يستجيب لرغبته اذا ما اقرت من قبل بقية ابناء الامة، و هذا ما اثلج صدر معاوية ايضا و أراحه، و علي ضوء ردود الفعل التي ربما احتملها من معاوية. و قد اجابهم معاوية قائلا: (قد قلت و قلتم، و انه ذهبت الآباء، و بقيت الابناء، فابني احب الي من ابنائهم، مع ان ابني ان قاولتموه وجد مقاولا، و انما كان هذا الامر لبني عبدمناف، لانهم أهل رسول الله، فلما مضي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ولي الناس ابابكر و عمر، من غير معدن الملك و لا الخلافة، غير انهما سارا بسيرة جميلة، ثم رجع الملك الي بني عبدمناف، فلا يزال فيهم الي يوم القيامة و قد اخرجك الله يا ابن الزبير، و انت يا بن عمر منها، فاما ابنا عمي هذان فليسا بخارجين من الرأي ان شاء الله. ثم امر بالراحلة و اعرض عن ذكر البيعة ليزيد و لم يقطع عنهم شيئا من صلاتهم


و اعطياتهم، ثم انصرف راجعا الي الشام، و سكت عن البيعة، فلم يعرض لهاالي سنة احدي و خمسين). [6] .

لقد كان معاوية بجوابه هذا يحاول طرح اوهام و تصورات جديدة علي الناس، فهو يريد ايهام الناس بان الامر أمر صراع بين ابناء (الصحابة)، أو (المتنافسين) القدماء، و اذ ذهب اولئك الصحابة المتنافسون [باشارة واضحة منه الي أميرالمؤمنين عليه السلام]، و بقي الابناء فان يزيد احق بالامر لانه ابن معاوية ، و هو احب اليه منهم، مع انه يتمتع بمميزات جديرة بان تجعل منه خليفة. اما تلويحه بان الامر لبني عبدمناف و قوله أهل رسول الله فانه يعني توسيع لدائرة آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم التي اختصت كما يعلم الجميع به صلي الله عليه و آله و سلم و بعلي و فاطمة و الحسنين، كما ان اشارته لولاية أبي بكر و عمر و انهما من غير معدن الملك و لا الخلافة مع انهما سارا بسيرة جميلة، يعني انه يجعل من المسألة مسألة ملك، و لم يرد الطعن فيهما لانه لم يرد ان يفتح جبهة جديدة للصراع. و كانت اشارته برجوع (الملك) الي بني عبدمناف و هو منهم، و يزيد منهم ايضا ، و بقائه فيهم الي يوم القيامة تأكيد واضح علي ان الامر ملك و صراع عليه، احق الله فيه الحق و ارجعه الي (اهله)، و هو من اهله. و اذ ان ابن عباس و ابن جعفر يشكلان احدي حلقات القرابة القريبة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هما اقرب اليه صلي الله عليه و آله و سلم منه، فانه اراد طمأنتهما الي انه لن يخرجهما من الرأي، أي من دائرة الحاشية المقربين، و هي رشوة اراد التلويح بها مسبقا اليهما. و قد تخلص معاوية. من الامام الحسن عليه السلام بالسم، كما رأينا، و بذلك اصبح يري نفسه اكثر حرية لاكمال مشوار البيعة ليزيد من بعده، لذلك فانه لم يلبث بعد وفاة الامام الحسن عليه السلام الا يسيرا. (حتي بايع ليزيد بالشام، و كتب بيعته الي الافاق). [7] .

و هنا قد نري تضاربا في التواريخ، فربما مهد معاوية لبيعة يزيد قبيل مسيرة الاول الي المدينة عام خمسين، و لم يبايعه الا سنة احدي و خمسين،أي بعيد رجوعه


منها و اغتيال الامام الحسن عليه السلام بالسم، غير ان معاوية كما يبدو قد عمل بدأب علي اكمال البيعة و سلك كل الطرق المتاحة لهذا الغرض. و كان عزمه حتي مع وجود الامام الحسن عليه السلام علي اتمام هذه البيعة واضحا، و ربما كان يبيت مسألة اغتياله اذا ما تأكد من استمرار عزم الامة علي الالتفاف حوله، و قد تأكد من ذلك عند زيارته الاستطلاعية الاولي هذه، و بعد عودته كتب الي مروان بن الحكم و كان عامله علي المدينة: (يذكر الذي قضي الله به علي لسانه من بيعة يزيد، و يأمره ان يجمع من قبله من قريش و غيرهم من أهل المدينة، ثم يبايعوا ليزيد) [8] .

و نلاحظ هنا ان معاوية قد حاول ان يظهر وجوده (كخليفة) و وجود ابنه خليفة من بعده كأمر قضي الله به و أراده، و هي نغمة طالما رددها بصيغ مختلفة ورددها يزيد من بعده.


پاورقي

[1] الامامة و السياسة ابن‏قتيبة 172 / 1.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق 173 / 1.

[4] المصدر السابق.

[5] نفس المصدر 174.

[6] المصدر السابق.

[7] نفس المصدر175 / 2.

[8] المصدرالسابق.