بازگشت

علي تنوع موقف و أدوار


كانت مهمة الامام عليه السلام تتغير و تتنوع وفقا للأحداث المتغيرة و أشكال الذين وقفوا علي سدة الحكم خلفاء و حكاما و عمالا. و كان ينطلق لأداء مهمته بالدرجة الأولي من منطلق الحفاظ علي الاسلام و الحرص عليه و ضرورة بقائه و نموه كقوة رئيسية محركة دافعة مغيرة وفق السنن و القوانين الالهية لا القوانين الفرعونية المتسلطة. و هكذا تنوعت الأدوار التي لعبها في كل وقت و ان كانت كلها تستهدف أمرا واحدا بلا شك و هو - كما قلنا - الحفاظ علي الاسلام.

و كان حضوره واضحا لمنع الانحراف و تحجيمه و حصره في أضيق زاوية و خصوصا في عصر عثمان. و لا يحسبن أحد أنه رغم معرفته بأنه أحق من ينبغي أن يتولي القيادة الفعلية للمسلمين خليفة و إماما، أنه كان يتصرف من منطلق رد فعل سلبي تجاه من جلسوا علي كرسي الخلافة، بل أنه كان حريصا حتي علي حياتهم ما داموا قد أصبحوا يمثلون المسلمين. و هو أمر غريب لو حدث من شخص غير الامام، غير أننا لا نستغرب ذلك متي علمنا من هو أميرالمؤمنين، و متي ما أتحنا لأنفسنا فرصة أكبر للتعريف علي شخصيته العظيمة.

أما مع معاوية، فلم يكن له سوي أن يواجهه مواجهة حاسمة بفعل قتالي بعد أن رفض الانصياع لارادة الأمة و مبايعته، و حشد له الأمة و استنفرها لمقاتلته، و أراد لها بمواجهتها لمعاوية و أمثاله، أن تواجه في المستقبل كل حالة طاغوتية شاذة منحرفة قد تطفو علي سطح المجتمع الاسلامي.

و كانت وقفته المبدئية ضد معاوية و أضرابه، وقفة أريد لها أن تشخص أمام الأبصار لا خلال حياته عليه السلام و انما علي امتداد العصور.

و هكذا دعا المسلمين في بداية توليه الحكم الي قتال الخارجين علي اجماع الأمة كطلحة و الزبير ثم معاوية بعد ذلك، و لازالته عن المركز الذي احتله خطأ و ظلما.

و كانت مسؤوليته التاريخية و التفاف جماهير واسعة من الأمة حوله، و نظرتها اليه كرمز كبير من رموز الاسلام. و كان شعوره بهذه المسؤولية المستمد من وعيه


و فهمه الكامل للاسلام و مركزه بين المسلمين لا يدع أمامه اي مجال للتردد في شن الحرب علي عدو الاسلام العتيد معاوية.

و قد أدي دوره أداء كاملا علي كافة الجبهات و في كل المجالات.

لقد وفد كلاهما علي ربه، علي و معاوية، الامام و الطاغية.

فكيف سيكون حوارهما أمام رب العالمين؟ و ماذا سيقول معاوية حينذاك، و كيف سيبرر تصرفاته و خروقاته الفظيعة للاسلام؟. و هل ستظل مغالطاته و مبرراته التي أوجدها له أعوان السوء مفيدة له حينذاك؟.

و هل سيظل يتمتع بذلك (الدهاء) الذي تبجح به طوال حياته؟ و هل يستطيع مد لسانه لأولئك الذين استخدمهم لتنفيذ مآربه و خططه، و ينظر نظرة ساخرة لكل من مهد لهذا الدين و دعا له، بعد أن سطا عليه و حوله الي أداة سخرها لمنافعه و توطيد عرشه؟ و ما عسي ملأ معاوية أن يقولوا لمعاوية، و كيف سيكون حوارهم في ذلك اليوم الرهيب؟ و يبدو لنا أنه كان بمواجهة كل موسي النبي، فرعون طاغ متسلط.

و بمواجهة كل علي الامام، معاوية طاغ متسلط أيضا.

و المعركة قائمة دائما بين الحق و الباطل، و الحق أوضح من أن يخفي. و دروب الباطل مكشوفة دائما.

و سلام علي أميرالمؤمنين عندما يقول: (ما اختلفت دعوتان الا كانت احداهما ضلالة) [1] و لن يفوت أحد متي ما عرف دعوة علي و منهجه و مركزه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و الاسلام، أن يعرف من كان معاوية، و يعرف حجم الجريمة التي ارتكبها بحق الاسلام و التي لا يزال يعاني منها المسلمون بل كل أبناء المعمورة الي اليوم.

ان من العجب أنه لا يزال أحد يجهل ذلك حتي الآن.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 699.