بازگشت

بين الخبرات الجاهزة و الاستفادة من طبقة الهمج الرعاع


و يجدر أن نؤكد هنا ما قلناه سابقا، و هو أن معاوية قد استفاد من خبرات جاهزة قديمة الي الحد الذي أمكنه من (استثمار) الاسلام نفسه و (تطويعه) و عرضه بالشكل الذي يشاء لتعزيز حكمه و سلطانه، و قد استمد معاوية خبرته من حياة حافلة بالتصدي للاسلام نفسه قبل أن (يدخل) فيه قبيل الفتح و اطلاعه الواسع علي سياسات و أخبار الملوك السابقين كما أوضحنا في مقدمة هذا الفصل و فهمه للعديد من أمور الاسلام، فهو ليس بالجاهل، و ربما كان عالما، أو كما قال عنه الفضيل بن عياض (معاوية من «الصحابة» من العلماء الكبار و لكن ابتلي بحب الدنيا) [1] و لعلها أخف كلمة تقريض قيلت بحق هذا (الصحابي) الجليل الذي أمضي حياته مع رسول الله، غير أننا لابد أن نقول أنه ليس بالجاهل و أن بين جنبيه نفسا زاخرة بعبقرية الشر التي استطاعت تحويل مجري التاريخ الاسلامي الي أسوأ حال و تهديم ما بناه الاسلام طيلة عقود عديدة من الزمن.

و قد أدرك معاوية أنه سيتمكن في مجتمع الهمج الرعاع من تطبيق سياساته و خططه و علم أنه سيجد فيهم خير جند ورعية. و كان لابد من تكريس حالة الجهل المطبق و اللاوعي و اللامبالاة و التواكل و الاعتماد علي كفاءة (الخليفة القائد) و قدرته و دهائه لتمرير ما عزم تمريره دون اعتراض أو مناقشة.

و قد أرسل اشارة خبيثة الي الامام عليه السلام بهذا المعني و أوصي من يقول له: اني أقاتلك بمائة ألف لا يميزون بين الناقة و الجمل، و لعله قد وضع قصة الناقة و الجمل تلك ليدلل علي جهل أهل الشام و انقيادهم له. و كان له من طبقة الحاشية المتملقة المستفيدة المتزلفة عونا لتنفيذ خطط أبعد مدي من تلك التي طبقها فعلا في حرب ضد الامام عليه السلام و مطالبته بدم عثمان. و هي محاولاته أن يمد في طول حكمه من خلال تكريسه في ابنه يزيد و سلالته بعد ذلك. و قد رأينا من عرف رغبته تلك، و أشار


عليه أن يقدم علي جعل يزيد خليفة له، و زين له هذا الأمر حتي سعي الي ذلك فترة تزيد عن السبع سنوات كما سنري في الفصل القادم.


پاورقي

[1] ابن ‏کثير 142 - 8.