بازگشت

عناصر المجتمع الفرعوني


و ينبهنا الشهيد الصدر الي أن عناصر المجتمع الفرعوني، مجتمع الظلم، بعد أن يستعرض الآية الأولي من هذا الحوار، و بعد استعراض مقولة الامام عليه السلام التي ذكرناها قبل قليل، فتكون من طوائف متعددة، نري من الضروري أن نستعرضها هنا باختصار و نحن نتكلم عن عناصر المجتمع الاسلامي في ظل معاوية أول الفراعنة المسلمين، الذين تولوا قيادة الأمة بالقوة، و توالت علي أثره سلاسل طويلة منهم، لا يزالون يطالعوننا الي اليوم و يدعون حق الحكم تحت ذرائع مشابهة، كلهم نهجوا نفس


المنهج، و طوروا الأساليب و أفادوا من الخبرات المتراكمة علي مر الزمن للخروج (بشرعية) متجددة تتيح لهم العلو في الأرض و الاستكبار فيها و السيطرة علي مقدرات الناس.

1 - الطائفة الأولي: هم الظالمون المستضعفون الذين ذكرهم القرآن الكريم. سبأ 31. الظالمون الثانويون، بحسب تعبير أئمتنا عليه السلام (أعوان الظلمة)، هؤلاء يشكلون حماية لفرعون و الفرعونية، و سندا في المجتمع لبناء الفرعونية و استمرار وجودها.

2 - الطائفة الثانية: الحاشية و المتملقون، أولئك الذين قد لا يمارسون ظلما بأيديهم بالفعل، و لكنهم دائما و أبدا علي مستوي نزوات و شهوات و رغبات فرعون، يسبقونه بالقول و مهمتهم في أغلب الأحيان تحريضية مثيرة (و قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسي و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و ءالهتك قال سنقتل أبنآءهم و نستحي نسآءهم و انا فوقهم قاهرون) [1] هؤلاء كانوا يعلمون أنهم عندما يضربون علي هذا الوتر الحساس في قلب فرعون الذي كان بحاجة الي هذا الكلام، فتسابقوا الي هذا الكلام لكي يجعلوا فرعون يعبر عما في نفسه و يتخذ الموقف المنسجم مع مشاعره و عواطفه و فرعونيته.

3 - الطائفة الثالثة: أولئك الذين عبر عنهم الامام عليه السلام «بالهمج الرعاع» لا تدرك أنها مظلومة، و لا تدرك أن في المجتمع ظلما، تتحرك تحرك التبعية و الطاعة دون تدبر، و دون وعي أو عقل، تستسلم للأوامر الفرعونية دون أن تناقشها أو تتدبرها حتي بينها و بين نفسها، و هذه الفئة تفقد القدرة علي الابداع البشري و كل قابليات النمو (و قالوا ربنآ انآ أطعنا سادتنا و كبرآءنا فأضلونا السبيلا) [2] كلامهم يدل علي أنهم لا يشعرون بالظلم. و بقدر ما تكون هذه الفئة مشكلة بالنسبة للمجتمع الصالح الذي يحاول تصفيتهم بتحويلهم الي فئة متعلمة و لو علي سبيل نجاة لكي يشاركوا في مسيرة الابداع، بينما تحاول الفرعونية أن توسع منهم لأن في ذلك ازديار خطر فناء المجتمع و موته موتا طبيعيا.


4 - الطائفة الرابعة: هم أولئك الذين يستنكرون الظلم في أنفسهم و لم يفقدوا لبهم أمام فرعون و الفرعونية لكنهم يهادنون و يسكتون عنه، فيعيشون حالة التوتر و القلق بشكل لا يسمح لهم بالابداع و التجديد و النمو، و كما يسميهم القرآن ظالمي أنفسهم (ان الذين توفهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) [3] .

5 - الطائفة الخامسة: الطائفة التي تتهرب و تبتعد عن مسرح الحياة و (تترهب) لكي لا تتلوث بأوحال المجتمع. هذه الرهبانية التي عبر عنها القرآن الكريم (و رهبانية ابتدعوها) [4] و هي رهبانية يشجبها الاسلام لأنها موقف سلبي تجاه مسوولية خلافة الانسان علي الأرض. و هناك صيغة مفتعلة للرهبانية، يترهب و يلبس مسوح الرهبان، و لكنه ليس راهبا في أعماق نفسه، و انما يريد بذلك أن يحذر الناس و يشغلهم عن فرعون و ظلم فرعون و يسطو عليهم نفسيا و روحيا (ان كثيرا من الأحبار و الرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل و يصدون عن سبيل الله) [5] .

6 - الطائفة السادسة: المستضعفون، خصهم فرعون بالاستضعاف و الاذلال و هدر الكرامة، لأنها كانت هي الطائفة التي يتوسم أن تشكل اطار للتحرك ضده.

و قد علمنا القرآن الكريم ضمن سنه من سنن التاريخ أن موقع أي طائفة في التركيب الفرعوني لمجتمع الظلم يتناسب عكسيا مع موقعه بعد انحسار الظلم، و هذا معني قوله سبحانه و تعالي: (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين) [6] و من ذلك استخلصنا حقيقة مهمة: و هي: أن المجتمع يتناسب مدي الظلم فيه تناسبا عكسيا مع ازدهار علاقات الانسان مع الطبيعة و يتناسب مدي العدل فيه تناسبا طرديا مع ازدهار علاقات الانسان مع الطبيعة. مجتمع الفرعونية المجزأ المشتت مهدور القابليات و الطاقات و الامكانات. و أما مجتمع العدل فهو علي العكس تماما مجتمع تتوحد فيه كل القابليات و تتساوي فيه كل الفرص و الامكانات) [7] .



پاورقي

[1] الأعراف 127.

[2] الأحزاب 67.

[3] النساء 97.

[4] الحديد 27.

[5] التوبة 34.

[6] القصص 5.

[7] المدرسة القرآنية ص 238.