بازگشت

المستكبرون و المستضعفون مسؤولون جميعا


ان مشهدا مؤثرا من مشاهد القيامة التي يعرضها القرآن الكريم، يتعرض فيه لأحد الحوادث التي تجري بين الظالمين، ذوي النفوذ و القوة و المكانة و أعوانهم من (المستضعفين) قبيل الجزاء و الحساب، يبين لنا كيفية تفكير هذين العنصرين من عناصر المجتمع الفرعوني. كلاهما ظالم لنفسه و لغيره، و كلاهما يتوقع عقوبة شديدة هي جزاء عادل لما اقترفوه

(... و لو تري اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الي بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولآ أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدي بعد اذ جآءكم بل كنتم مجرمين و قال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر اليل و النهار اذ تأمروننآ أن نكفر بالله و نجعل له أندادا و أسروا الندامة لما رأوا العذاب و جعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون) [1] .


لابد أن هؤلاء (المستضعفين) كانوا عونا للذين استكبروا، و لابد أنهم كانوا في مقدمة الذين عملوا علي تنفيذ مخططاتهم و سياساتهم دون مناقشة، متنازلين عن حرياتهم و ارادتهم دون شعور بالكرامة، منقادين انقيادا أعمي لا يرون أمامهم الها سوي فرعون استبدلوه بخالقهم و بارئهم بعد أن نسوه و كفروا به.

و يشكل جواب الذين استكبروا جوابا دائميا حاسما شافيا لكل (مستضعف) قديم و حديث يسير في ركاب الطواغيت علي هذه الأرض. و هو جواب صادق حتما، اذ لا يملك هؤلاء سوي الصدق، و هم يقدمون علي ربهم العزيز القدير يوم الجزاء و يحطون رحالهم في ذلك اليوم الأخير الذي تزوغ فيه القلوب و الأبصار: لقد جاءكم الهدي، و لقد عرفتموه، و مع ذلك كانت لديكم استعدادات للشر و الانحراف و كنتم ميالين الي خدمتنا و عبادتنا بعد أن عميت أبصاركم و قلوبكم و كانت استعداداتكم للشر و الجريمة هي التي دعتكم الي الموقوف معنا مع أنكم تعرفون حق المعرفة أننا كنا علي خطأ.

لم ينكر المستكبرون أنهم كانوا ظالمين و مخطئين في الحياة الدنيا، و لم يقولوا أنهم كانوا علي حق، كما كانوا يتبجحون دائما، بل يعترفون بمسيرتهم المنحرفة، و لا يغضبون - كما كانوا يفعلون في تلك الحياة الأولي اذا ما اتهمهم أحد بالظلم و الخطأ، و لا يدفعون عن أنفسهم اتهاما. فما وجه اليهم صحيح، هم ظالمون، و يعترفون بذلك. و كانوا يريدون الجميع أن يقف في خدمتهم و في صفهم، فما بال هذا (الجميع المستضعف) لم يرفع عند ذاك في وجههم يدا أو اصبعا، مستنكرا الظلم، و ما باله - بدلا من ذلك - يكرس حياته و جهوده لخدمتهم و لا يري أمامه الا فرعون و آل فرعون و ملأ فرعون؟


پاورقي

[1] سبأ 33 / 31.