بازگشت

تعطلت مهمة المسجد فتعطل كل شي ء


لقد عطلوا المسجد عن أداء مهمته الرئيسية، و صار البناء فخما يتفوق علي تلك المساجد الأولي التي بناها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و صحابته في صدر الاسلام، معتبرين الفخامة مظهرا من مظاهر التفوق، و اعتبروا أن هذه هي كل مهمتهم، و أنهم أنجزوا ما عليهم و أدوا واجباتهم. كما أنهم عطلوا القرآن، و لم يعد الا أداء جميلا في هذه المساجد، أما ما يكمن خلف كلماته و آياته. أما تطبيق حدوده، فلا شأن لأحد به. و ما علي الذي يريد أن يقرأه دون سؤال، و ليس عليه أن يبحث عن التفسير الصائب لكلام الله و المستند الي أقوال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. و عند ذاك سوف يمنح أجورا من الدولة علي مواظبته و حضوره الي المساجد. و قد روي لنا فعلا أن (الخلفاء) في العصرين الأموي و العباسي كانوا يمنحون (القراء) المواظبين علي الحضور لقراءة الذكر الحكيم، و المتخلين عن كل أمور الحياة لهم رواتب و أعطيات تمنح لهم. و قد ينطلي أمر ذلك علي العديدين من أبناء الأمة فيتصورون أن الحرص و الغيرة علي الدين هي التي دفعتهم الي ذلك، غير مدركين أن هؤلاء كانوا يسعون الي حصر الدين في المسجد و عدم السماح له بالظهور خارجه، حيث نفوذهم و ملكهم و سلطانهم.

و هكذا صحت توقعات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، عندما رأي بعين البصيرة النافذة المسددة بالعلم الالهي الأكيد، حينما قال لأبي سعيد الخدري: (يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا. ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم. و يقرأ القرآن ثلاثة مؤمن و منافق و فاجر) [1] .

و من يستطيع أن يعمل بوعي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم و فهمه للقرآن؟. و من يستطيع أن ينظر الي الاسلام الا بالعين التي ينظر بها فرعون و حاشيته و جنوده؟ و هل يستطيع أحد


أن يخرج عن حدود تلك النظرة المحدودة الجامدة التي لا تري الا مصالحها و هواها و سلطانها؟.

كان الذي يفعل ذلك أو يتطلع اليه، سيتعرض لسخط فرعون و غضبه و نقمته و سيف الارهاب المسلط دوما علي الرقاب، و سيحرم من عطايا فرعون و جاه فرعون و عطف فرعون.!.

ان ترسيخ حالة التكرار و الرتابة و الخمول من شأنه أن يفعل فعله من الأجيال اللاحقة، التي تكون قد تقبلت الأوضاع التي توحي بالاستقرار - كما تراها أمامها، متوهمة أنها كانت هكذا منذ البداية. و هكذا تتكرر قصة الأبناء المبهورين المعجبين بالآباء و الأجداد ثانية و في كل مرة يظهر فرعون جديد يمهد لسلطانه و مصالحه.

(قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءابآءنآ) [2] .

(قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه ءابآءنآ) [3] .

(بل قالوا انا وجدنآ ءابآءنا علي أمة و انا علي ءاثارهم مهتدون) [4] .

نفس القصة المعادة المكرورة. الآن و قبلا و كأن أولئك الآباء هم الذين جعلوا ملوكهم و فراعنتهم و خلفاءهم ملوكا و فراعنة و خلفاء، برغبة صادقة من عند أنفسهم، و أن هؤلاء لم يتسلقوا علي أكتافهم و يتسلحوا عليهم برغمهم، و كأن الأمر تم باستفتاء شعبي أو علي طريقة احدي (الديمقراطيات البرلمانية) الحديثة تطالعنا بها القوي المتسلطة الحديثة بأساليب حديثة، و تلبسها هذا اللباس الملون البراق المزوق، الذي يستمد ألوانه و بريقه من ادعاء مزيف بالحرص علي مصالح الشعوب.!.

و حتي هذا ربما قنعت به الأمة لو تم - لا كأمر أساسي كان يجب أن يتم - بل من باب القاء الحجة علي أولئك الذين استسلموا أمام جمود الواقع و رتابته و تحجره. فما هو دور أولئك الآباء فعلا حتي نهج الأبناء نهجهم و تبنوا مواقفهم؟ لقد أقهر أولئك الأباء، و اضطهدوا و دمروا و قتلوا و سرقوا، حتي أصبح الأمر كما وجده الأبناء المخدوعون و وجده أبناؤهم من بعدهم كذلك. غير أن مهمة الفراعنة في كل زمان و مكان هي أن يستكوا شعوبهم ليظلوا هم في المقدمة دائما، المتكلمين الوحيدين


و نجوم كل الحفلات و المناسبات و جلسات السمر و حلقات الذكر و الملاهي و الجوامع.! أن يكونوا كل شي ء و يملكوا كل شي ء و يحاسبوا علي التهمة و الظن، و يدعوا العلم بما في سرائر الناس و يؤاخذهم ذلك. كل شي ء يتضاءل أمامهم و يتصاغر و يخبو و يضمحل.


پاورقي

[1] البداية و النهاية 233 - 8.

[2] المائدة 104.

[3] البقرة 170.

[4] الزخرف 22.