بازگشت

المترفون بداية لهلاك الأمة


(و المترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال و يجدون الخدم و يجدون الراحة فينعمون بالدعة و بالراحة و بالسيادة، حتي تترهل نفوسهم و تأسن، و ترتع في الفسق و المجانة، و تستهتر بالقيم و المقدسات و الكرامات، و تلغ في الأعراض و الحرمات، و هم اذا لم يجدوا من يضرب علي أيديهم عاثوا في الأرض فسادا، و نشروا الفاحشة في الأمة و أشاعوها، و أرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب الا بها و لها. و من ثم تتحلل الأمة و تسترخي، و تفقد حيويتها و عناصر قوتها


و أسباب بقائها، فتهلك و تطوي صفحتها. فاذا قدر الله لقرية أنها هالكة لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تدافعهم و لم تضرب علي أيديهم، سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحللت و ترهلت، فحقت عليها سنة الله، و أصابها الدمار و الهلاك، و هي المسؤولة عما يحل بها لأنها لم تضرب علي أيدي المترفين، و لم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود المترفين. فوجود المترفين هو ذاته السبب الذي من أجله سلطهم الله عليها ففسقوا، و لو أخذت عليهم الطريق، فلم تسمح لهم بالظهور فيها ما استحقت الهلاك، و ما سلط الله عليها من يفسق فيها و يفسد فيقودها الي الهلاك.

ان ارادة الله قد جعلت للحياة البشرية نواميس لا تتخلف، و سننا لا تتبدل، و حين توجد الأسباب تتبعها النتائج فتنفذ إرادة الله و تحق كلمته. و الله لا يأمر بالفسق، لأن الله لا يأمر بالفحشاء. و لكن وجود المترفين في ذاته، دليل علي أن الأمة قد تخلخل بناؤها و سادت في طريق الانحلال، و ان قدر الله سيصيبها جزاء وفاقا. و هي التي تعرضت لسنة الله بسماحها للمترفين بالوجود و الحياة) [1] .

ان الذين يهونون من شأن مسألة ظهور الطبقة المترفة في المجتمع الاسلامي في وقت مبكر، لا يريدون أن يفهموا حقيقة السنن الطبيعية التي تجعل من هذه الطبقة أساسا للفساد و تحطيم المجتمع برمته. ان وجودهم و سكوت الأمة عنه مسؤولية تتحملها الأمة كلها، و تتحمل تبعاتها و نتائجها. و هو مرهون بموقفها منهم. فاذا ما سكتت دمرت تدميرها، و اذا ما وقفت بوجههم استطاعت أن تحمي نفسها من الانهيار و السقوط.

و هذه المهمة، مهمة ايقاف المترفين عند حدهم و استئصال الترف من المجتمع، كانت شيئا أساسيا عمل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي القيام به. و قد أدرك طبيعة مهمته المشركون المترفون المتسلطون من قريش فشنوا الحرب عليه، لأن في سيادة دينه القضاء علي مصالحهم و نفوذهم، و هو ما لم يقبلوا التنازل عنه.

و قد استسلموا مرغمين أمام قوة الاسلام و نفوذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لدي الأمة الاسلامية التي أحبته و تفانت في مودته و الاخلاص له. غير أنهم - و أغلبهم من قريش


- تحينوا الفرص للنيل من الاسلام، و قد أرعبهم أن يستمر خط الرسول صلي الله عليه وآله وسلم و نمطه في العمل الي النهاية، و علموا أن وصيه و خليفته متي ما استلم القيادة الفعلية، فانه سيسير فيهم بسيرته، و لعله - و هو في مقتبل الشباب بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم سيفوت الفرصة عليهم الي الأبد، و يعد جيلا من الأمة مشبعا بمبادي ء الرسالة الاسلامية، لا يساوم أو يضعف أو يستسلم. أو يتيح أية فرصة لظهور طبقات متنعمة مترفة علي حساب الأغلبية من أبناء الاسلام.

و هكذا أزمعت قريش أن تناوي ء الامام منذ البداية، و اذ لم تجرؤ علي اعلان كرهها للامام الذي نال منها و قاتلها بشكل فريد بل و أذلها و أجبرها للانضواء تحت راية الاسلام، فانها حشدت كل قواها لابعاده عن مركز السلطة و النفوذ، و رأت أنها تستطيع في ظل غيره من الحكام أو الخلفاء، مهما بلغ مركزهم و حرصهم علي الاسلام - أن تتلاعب و تجمع شتاتها و تعيد نفوذها و ماضيها.

و كانت بالتأكيد أميل الي عثمان من علي، و أميل الي طلحة و الزبير ما داما من أعدائه. و أميل الي معاوية الذي أعاد اليها أمجادها و عزها الذي كاد أن يندثر. و كان قتالها مع معاوية ضد الامام عليه السلام عليه السلام يعني تمسكها بفرصتها الأخيرة للحفاظ علي مصالحها و امتيازاتها، و كانت استماتتها بنتيجة منطقية لاعتقادها، اذ لو خسرت الحرب لضاع كل شي ء وفقدت نفوذها الي الأبد.

و لو أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه كان في موضع أميرالمؤمنين عليه السلام لوجدت المبررات لقتاله و الخروج عليه. فلا عجب أن نراها بعد ذلك و بعد تمكنها و امتداد طغيانها تتصدي للحسين عليه السلام و لأهل المدينة بذلك الأسلوب الدموي العنيف الذي لجأت اليه و برره لها فيما بعد مرتزقتها من المتاجرين بالدين لأغراض الدنيا.


پاورقي

[1] في ضلال القرآن 4 / ص 2218 - 2217.