بازگشت

كيف يري الامام المجتمع الاسلامي في ظل حكام الانحراف


و نعود الي تصور الامام عليه السلام للمجتمع الاسلامي بعده، و في ظل نظام منحرف كالنظام الأموي.

(و الله لا يزالون، حتي لا يدعوا الله محرما الا استحلوه و لا عقدا الا أحلوه، و حتي لا يبقي بيت مدر و لا وبر الا دخله ظلمهم و نبا به سوء وعيهم، و حتي يقوم الباكيان يبكيان. باك يبكي لدينه، و باك يبكي لدنياه، و حتي تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، اذا شهد أطاعه، و اذا غاب اغتابه، و حتي أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا) [1] .

(فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، و ركب الجهل مراكبه، و عظمت الطاغية، و قلت الداعية، وصال الدهر صيال السبع العقور، و هدر فنيق الباطل بعد كظومه، و تواخي الناس علي الفجور، و تهاجروا علي الدين و تحابوا علي الكذب و تباغضوا علي الصدق. فاذا كان ذلك كان الولد غيظا و المطر قيظا و تفيض اللئام فيضا، و تغيض الكرام غيضا، و كان أهل ذلك الزمان ذئابا و سلاطينه سباعا و أوساطه أكالا و فقراؤه


أمواتا، و غار الصدق، و فاض الكذب و استعملت المودة باللسان و تشاجر الناس بالقلوب و صار الفسوق نسبا و العفاف عجبا، و لبس الاسلام لبس الفرو مقلوبا) [2] .

(يأتي علي الناس زمان عضوض، يعض الموسر فيه علي ما في يديه و لم يؤمر بذلك. قال الله سبحانه (و لا تنسوا الفضل بينكم) [3] تنهد فيه الأشرار و تستذل الأخيار و يبايع المضطرون، و قد نهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن بيع المضطرين) [4] .

(أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، و نسبهم أهل الجهل فيه الي حسن الحيلة) [5] .

(و اياك أن تغتر بما تري من اخلاد أهل الدنيا اليها و تكالبهم عليها، فقد نبأك الله عنها و نعت لك نفسها و تكشفت لك عن مساويها، فانما أهلها كلاب عاوية و سباع ضارية يهر بعضها و يأكل عزيزها ذليلها و يقهر كبيرها صغيرها. نعم معقلة و أخري مهملة، و قد أضلت عقولها و ركبت مجهولها، سروح عاهة بواد و عث ليس لها راع يقيمها و لا مقيم يسميها. سلكت بهم الدنيا طريق العمي و أخذت بأبصارهم عن منار الهدي، فتاهوا في حيرتها و غرقوا في نعمتها و اتخذوها ربا، فلعبت بهم و لعبوا بها و نسوا ما وراءها) [6] .

(يأتي علي الناس زمان لا يبقي فيه من القرآن الا رسمه و من الاسلام الا اسمه، مساجدهم يومئذ عامرة من البني، خراب من الهدي، سكانها و عمارها شر أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة و اليهم تأوي الخطيئة، يردون من شذ عنها فيها، و يسوقون من تأخر عنها اليها) [7] .

لقد رأي الامام عليه السلام المقدمات، فرأي النتائج.

رأي طبقة جديدة مترفة تظهر علي حساب الأغلبية من الشعب المسلم. في (دولة الاسلام) نفسها بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رأي تمييزا في العطاء أخذ يتسع حتي أصبح


مرهونا برغبة الخليفة و مزاجه، و ذلك ما بدا واضحا لجميع الأمة في عهد عثمان. و لم يكن لهذه الطبقة من سابقة أو تميز سوي علاقتها الحميمة بالخليفة.

و لو أن هذه الطبقة الثرية المترفة عوملت علي أساس سابقتها في الاسلام أو عطائها في سبيله و خدمتها له، لما وضعت الا في آخر السلم، و لما وجدت من أبناء الأمة من يمنحها ثقته. الا أنها ظهرت فعلا رغم قناعة الأمة بالاسلام و محبتها لرسول الاسلام صلي الله عليه وآله وسلم و رغم تسلحها بكم هائل من مبادئه و قيمه. فكيف و قد بعد العهد برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و ظهرت أجيال جديدة أخذت تتلقاه عن الآباء، و بدأت تظهر بينهم قيم جديدة و مفاهيم جديدة و آراء و أفكار جديدة، أجيال أخذت تؤثر فيها الأحزاب و العصبيات و المطامع و العداوات؟

و نظرة سريعة علي تاريخنا ترينا أن الانحراف قد بدأ بزاوية لا تكاد تلحظ، الا أنه اتسع فيما بعد وصعب ايقافه، و تورطت الأمة كلها مع مسببيه الذين أخذوا يتكاثرون و يزدادون سلطة و ثراء.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 744 - 565 - 145 - 765 - 259 - 242 - 241.

[2] نفس المصدر.

[3] البقره 237.

[4] نفس المصدر.

[5] نفس المصدر.

[6] نفس المصدر.

[7] نفس المصدر.