بازگشت

بصيرة و علم


تشخيص حال الأمة في ظل الأمويين

لقد شخص الامام حال الأمة تشخيصا دقيقا، و رأي بعين بصيرته الثاقبة الحال التي ستكون عليها في ظل بني أمية، هؤلاء الذين أرادوا أن يتجاوزا علي ربهم الحق، و يكونوا أرباب سوء، لا يتركون أحدا يعيش الا في ظلهم و لا يستنشق الا الهواء الذي يلفظوه. فمن لم يكن معهم فهو عليهم. و كانت الفتنة التي طلع بها بنوأمية علي المسلمين فتنة سوداء شوهاء جاهلية، لا حكم فيه الا لهوي و مصالح الأقلية الحاكمة التي استأثرت بكل شي ء و تسلطت علي الرقاب و حكمت حكما كيفيا لم تراع فيه حدا من حدود الله، و لم تحكم فيه الاسلام من قريب أو بعيد. فنظرتها أرضية متدنية بحتة لا تتطلع الي السماء أبدا و لا تستلهم قيمها بأية حال من الأحوال.

و كما رأي الامام عليه السلام النتيجة التي آل اليها حال أهل الشام في ظل معاوية، مع أنه لم يكن (رسميا) مطلق اليد و ليس سوي عامل لمن سبقه من الخلفاء، فانه رأي


حال الأمة كلها فيها بعد اذا ما انفردت هذه العائلة بالحكم و سيطرت عليه سيطرة تامة. هذه العائلة (الطموحة) (الجريئة) علي الله و رسوله جرأة كبيرة لا يجدها وازع من خوف من نار أو طمع في جنة، و اذا ما أطلقت يد أبنائها بمقدرات الأمة و استأثروا بالخلافة) و امتلكوها نهائيا.

و قد شخص الامام الحال التي سيصير اليها المجتمع الاسلامي بأكمله، بعد أن رأي بدايات ذلك و هو لا يزال علي قيد الحياة. و قد كان الحال فيما بعد - فعلا - كما صوره الامام و شخصه، فلقد كان علمه (تعلم من ذي علم، علمه الله نبيه فعلمنيه و دعا لي بأن يعيه صدري و تضطم عليه جوانحي) [1] كما عبر عن ذلك بنفسه عليه السلام عندما قال له بعض أصحابه بأنه أعطي علم الغيب، فنفي ذلك، الا أنه أشار الي السبب الذي جعله يمتلك ذلك العلم الغزيز الذي لم يملكه أحد بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

و عن ذلك قال عليه السلام أيضا: (و الله ما أسمعهم الرسول شيئا الا وها أنا ذا اليوم مسمعكوه و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس) [2] .


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة - 209 - 298.

[2] نهج‏ البلاغة - 209 - 298.