بازگشت

قريش و الأحزاب


و كان الامام عليه السلام يري لزاما عليه بعد أن شخص أسباب الانحراف و بوادره أن يوقفه منذ البداية و قبل استفحاله، و هكذا سعي في عهد عثمان لمنعه من تولية العمال الفاسدين أمثال معاوية، و الذين كانوا سببا لنقمة الأمة علي عثمان و ثورتها عليه.

و في بداية مبايعة الامام عليه السلام بالخلافة، كان أول ما فعله هو أعلانه عزل هؤلاء العمال و في مقدمتهم معاوية نفسه، و قد رأينا الأسباب العديدة التي دعته الي ذلك و تكلمنا عنها باسهاب في غضون هذا الكتاب. و قد أراد الامام أن يزيل السبب المباشر للانحراف و يمحو تلك النقطة السوداء منذ البداية و يواجه مسيرتها المنحرفة بمسيرة مضادة صحيحة، هي مسيرة الاسلام ممثلا مقيادته و بالطليعة من حبذه الذين عمل علي


اعدادهم و تربيتهم منذ البداية و منذ انتقاله من المدينة حيث الأحزاب و قريش و حقدها عليه و علي آله، بل و آل هاشم علي العموم. و كان الامام يدرك سبب ذلك تمام الادراك و يعايشة معايشة حقيقية، و هو يري قريشا تدب حوله بالشر و الكره و القطيعة و التحزب. و قد قال فيما قاله عنهم: (ما لي و لقريش، و الله لقد قاتلتهم كافرين و لأقاتلنهم مفتونين، و اني لصاحبهم بالأمس، كما أنا صاحبهم اليوم، والله ما تنقم منا قريش الا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا) [1] .

و قد قال لعقيل أخيه بشأنهم (فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق و جماحهم في التيه، فانهم قد أجمعوا علي حربي كاجماعهم علي حرب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فجزت قريشا عني الجوازي، فقد قطعوا رحمي و سلبوني سلطان ابن أمي) [2] .

و قال عنهم: (اللهم اني أستعديك علي قريش، فانهم قد قطعوا رحمي، و أكفأوا انائي و أجمعوا علي منازعتي حقا كنت أولي به من غيري، و قالوا: لا، ان في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما أو مت متأسفا...) [3] .

لقد كانت قريش أقرب الي معاوية من علي،: و قد اختارت أن تقف الي جانبه في النهاية في حربه الظالمة ضد الامام، للأسباب التي ذكرها الامام عليه السلام و التي عرفناها من خلال تتبعنا لحوادث التاريخ الاسلامي في مطلع الرسالة. و أصبح القرشي بتحيزه الي معاوية كالشامي الذي يتحدر بأصوله من أولئك الذين رباهم معاوية علي حبه و الميل اليه و تبني مواقفه.

و قد رأينا أن معاوية أيضا قد ركز علي عداوته لأهل العراق منذ البداية، كأعداء محتملين في المستقبل، و أعداء حاليين فعلا، بدأت بوادر عداوتهم له فعلا بمسيرهم خلف الامام و تحت قيادته. و لعل حملته علي الامام لم ترافقها حملة شرسة أخري بلغت تلك التي شنها علي أهل العراق، و قد استمر موقفه من العراقيين حتي بعد وفاة الامام عليه السلام و وقوع العراق في قبضته، و استمرت النظرة المعاوية للعراقيين حتي بعد وفاة معاوية نفسه و خلال فترة الحكم الأموي برمته.


أما الامام، فقد كان يريد بتقريعه العراقيين و لومه أيامهم و شجب بعض أنماط سلوكهم و تحريضهم علي عدوهم، و هم غالبية جنده، أن يزرع فيهم حالة متقدمة من الوعي و النقد الذاتي لأنفسهم، بعد أن أراهم من هو عدوهم الحقيقي، و كيف خرق الاسلام و تجاوز عليه و خرج عليه خروجا سافرا.

لقد أراد تربيتهم، و اعداد طلائع جديدة منهم تتولي اكمال المسيرة خلف الأئمة من آله فيما بعد علي خطه. و كان معاوية يعرف أنهم العدو المرتقب و المتوقع، و يعرف أنهم - علي علاتهم و مع وجود عناصر ضعيفة و متآمرة، و مع وجود عوامل النقص بمجتمعهم الواعي المتسائل المتحفز الحذر المتقلب ذي الانتماءات القبلية الواضحة، سيستقرون في النهاية و يقررون الجهة التي سيتعاونون معها و يحاربون تحت لوائها، و لا شك أنها ستكون جهة علي و آله عليهم السلام في النهاية.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 135.

[2] نهج‏ البلاغة 576.

[3] نهج‏ البلاغة 480.