بازگشت

موقف الامام من معاوية


ان ما يعلمه الامام يجعله لا يتردد باتخاذ الموقف الذي وقفه من معاوية، و بدعوته الآخرين لا تخاد نفس هذا الموقف من معاوية، فانه يدعو الناس في كل زمان للوقوف بوجه أمثاله من المنحرفين دون تردد، فمنهج الاسلام واحد و طريقه واحد.

و عن ذلك عبر الامام عليه السلام في رسالة له كتبها الي معاوية نفسسه قائلا: (و قد ابتلاني الله بك و ابتلاك بي، فجعل أحدنا حجة علي الآخر فعدوت علي طلب الدنيا بتأويل القرآن، فطلبتني بما لم تجن يدي و لا لساني و عصيت أنت و أهل الشام، و ألب عالمكم جاهلكم، و قائمكم قاعدكم) [1] .

و قد صور الامام عليه السلام معاوية تصويرا دقيقا في رسائله و خطبه، و طبيعي أن يعمد الي ذلك مع خصمه ليكشف حقيقة هذا الخصم، و يلقي الحجة عليه و علي من ناصره في خلافه و خروجه علي القيادة الشرعية الممثلة بالامام.

غير أننا لابد أن نلتفت الي أمر آخر، و هو: أن الامام عليه السلام قد أدرك ببصيرته الثاقبة و علمه الكبير أن معاوية سيكون نموذجا للطواغيت و الفراعنة المستلبسين بالاسلام علي مر الزمن، و سيكون مثلا أعلي لهم. و هكذا أراد أن يكشف زيف هذه الشخصية أمام الناس حتي لا ينبهروا بها أو يخدعوا ببريقها اذا ما حدث أن تكررت و ظهرت بشكل آخر و باسم آخر، و قام فرعون أو فراعنه آخرون ينهجون نهجه، و لا ينساقون وراءهم، بل يدققون بتلك الأشكال الممسوخة القائمة خلف بريق ظاهري خادع.

فمعاوية نموذج ظهر في عهد الامام، و كان الامام عليه السلام بحسه الصافي يدرك أن ظاهرة معاوية ستكرر أمام غياب القيادة الحقيقية عن الساحة. و قد أراد الامام، اذا ما تكررت أن لا تستقطب الأمة كلها حولها، كما يستقطب ضوء النار بعض الحشرات فتحرقها بالتالي و تعود النتيجة و بالا علي الجميع.

لو لم يكشف الامام معاوية، لكان معاوية صنما كبيرا معبودا من دون الله، و لحاول أن تغطي شخصيته حتي شخصية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه و لحاول محوها و تشويهها.


و قد رأينا كيف نظر الحجاج الي شخصية عبدالملك بعد ذلك، و قد أراد الحجاج الناس أن ينظروا اليه، الي كما ينظر هو الي خليفته و فرعونه و معبوده.

و لم يكن أحد يمتلك المؤهلات التي امتلكها الامام لكي يستطيع التصدي للمؤامرات الكبيرة و كشف شخصيات (المعارضين) و في مقدمتهم معاوية، و تعريتها أمام الناس علي مر الأزمان. و هكذا، فلربما اعتبرنا من حسن الحظ و الطالع أن يظهر معاوية في زمن الامام. فمعاوية طاقة هائلة و عبقرية كبيرة من عبقريات الشر و الجموع و التمرد. كانت خلاصة عبقريات الشر و سياسات الفراعنة السابقين.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 627.