بازگشت

احذروا معاوية..


لو ظهر في غير زمن الامام لدمر الاسلام الي الأبد.

و هكذا أشار الي معاوية اشارات صريحة، محذرا الناس منه، و كان بذلك يريد تحذير الناس من كل نموذج آخر مشابه قد يظهر علي الساحة فيما بعد أيضا و يضلل


الناس و يلعب بعقولهم و مشاعرهم لما في ذلك من خطر ما حق، لأن معاوية - كما قلنا - يتستر بالاسلام نفسه الذي تدين به الأمة و تقدسه.

و قد شاء الله أن يبتلي الامام بمعاوية، بالامام ليكون أحدهما حجة علي الآخر - علي حد تعبير الامام في احدي رسائله اليه -.

تري لو ظهر معاوية في زمن غير زمن الامام، و حارب شخصا غيره، كيف كانت ستكون مجري الحوادث حينذاك؟ لا شك أن معاوية كان سيحقق نصرا ساحقا، لا علي ساحة المعارك و في نطاق الحروب و السيوف، و انما علي (العقائدي)؛ اذ أن معاوية، لو كان الذي نازله غير الامام، ربما استطاع تصوير القضية كلها لصالحه بشكل جذاب مقنع مغري، و تصوير قضية خصمه (لو كان غير الامام) تصويرا يدعو للاشمئزاز و القرف منه. و قد أراد فعلا أن يصور قضية خصمه الامام كذلك، لكنه لم ينجح الا مع الشام و لم يدم ذلك إلا خلال مراحل الحكم الأموي و حسب.

و قد استطاع الامام - علي عكس ما أراد معاوية - أن يصور بشاعته و بشاعة تصرفاته و قبحها. و لم يستطع معاوية رغم كل الجهود التي بذلها أن يطمس فضائل عدوه حتي بين أهل الشام أنفسهم أحيانا، و لم يستطع أن يخفي جرائمه هو و خروجه السافر علي العديد من أحكام الاسلام و تشريعاته، و أن يلقي عليها ظلا الي الأبد، فقد انتبهت الأمة، و ربما كانت قد سكتت مغلوبة - الي أضاليله و خدعه، و ربما كان ذلك بفعل توجيهات الامام و عمله علي تربية الأمة كلها و ايجاد حالة من الوعي و القدرة علي النقد و المراقبة و التوجيه و الرصد مما يساعد علي ايجاد حالة أخري من التقويم المستمر لكل انحراف من الحاكم أو من فئات معينة من الأمة، حتي في المراحل اللاحقة التي قد يختفي فيها (الخصوم) الحاليون و يظهر قادة جدد.

و كان أحري بالمسلمين - الي يومنا هذا - أن يغتبطوا فعلا لظهور معاوية و خروجه في عصر الامام عليه السلام نفسه، فما كان غير الامام - برصيده الهائل عند الأمة - مؤهلا للتصدي له و ايقافه، و لو أن معاوية ظهر في عهد غير عهده لاستأصل الاسلام نهائيا و لقضي عليه. و لكن ظهوره في زمن الامام عليه السلام جعله يصلدم بصخرة صلدة و لا ينجح بتنفيذ كل مخططاته و مآربه الا بشكل محدود، و الي حين.

و مان (نجاحه) الظاهري بعد اغتيال الامام، مقدمة لفشل سياسته و مخططاته علي المدي البعيد، و كان تمهيدا لانهيار و سقوط النظام برمته بعد ذلك.


لقد كانت الدولة الأموية نموذجا سيئا جعل الأمة كلها تتطلع بنظرات السخط و عدم الرضي عليها و ان سكتت مغلوبة علي ممارساتها، ليكون هذا النموذج فيما بعد اذا ما ظهر بأي شكل مدعاة لسخط آخر، و معرضا للسقوط و الانهيار أيضا.

و قد آثار ظهور هذه الدولة احتمال ظهور دول فرعونية طاغوتية محتملة في أزمنة و أمكنة أخري تستغل الاسلام و شعاراته و طقوسه. و هذا ما جعل الأمة تراقب بوادر ذلك و تنظر بعين الحذر الي كل نموذج آخر مشابه لمعاوية فلا يتمكن من تمرير كل خططه و ألاعيبه كما مررها ذاك.

لو كان معاوية قد ظهر في عهد غير عهد الامام، و لم يتصد له شخص كالامام و يكشفه أمام الأمة كلها، لكان قد روح لأفكاره و قيمه المغايرة تماما لأفكار و قيم الاسلام، و لعمل بنجاح دون أي عائق و دون وجود خصم مؤهل يمتلك رصيدا هائلا لدي الأمة لتأسيس نظام طاغوتي جديد، تتضاءل أمامه كل الأنظمة الطاغوتية الأخري و لأعلن خروجه السافر عن الاسلام و لحاربه علانية بنفس الطريقة التي حاربه فيها مع أبيه قبل أن يجبرا علي اعتناقه خوفا من القتل و الاستئصال.

و رغم كل الغيظ الذي جرعه معاوية للامام عليه السلام، فاننا نحسب أن الامام كان سعيدا أيضا لظهور معاوية في عهده، مع كل ما لاح لنا من المرارة الظاهرة في أقواله و رسائله عندما يذكره أو يكتب اليه، لأنه علم أن طاقة الشر الهائلة المعتملة في نفسه و الامكانات التي سخرها و الاستعدادات و القدرات الاستثنائية التي تمتع بها، لم يكن يستطع ردعها و كشفها الا هو عليه السلام، فلم يكن أبلغ حجة علي معاوية من الامام.

كيف يستطيع معاوية أن يجد الأعذار أمام الأمة كلها ليحارب عليا و يقف في وجهه؟.

لقد تأول القرآن و وقع في مستنقع العصيان السافر لله و عمل علي تزوير دينه و أحكامه و استغل بقية من عصبية كادت تنقرض و أجج نارها مرة أخري، عالما أن كل ما كان يفعله انما لمصلحته الشخصية هو.

هل كان الامام عليه السلام يملك أن يقف مكتوف الأيدي أمام خارج عن الاسلام كمعاوية؟ و هل كان مستطيعا أن يجامله و يقره علي ولاية الشام أو يتقاسم معه الحكم، و عنده ما عنده من اليقين و الحق؟.