بازگشت

الامام يراقب الحالة الأموية الشاذة و يعرف بنفسه


كان الامام يراقب تلك الحالة الشاذة التي بدأت تبرز في الشام و التي أرادت أن تتوسع و تنتشر و تكون هي الحالة القياسية السائدة، و تلك هي - كما قلنا - النموذج الأموي للاسلام الذي عمل معاوية علي نحته و ابرازه علي أنه النموذج الأجمل المطلوب لأنه وحده الذي يمكن اقامة دولة معقولة و واقعية علي أساسه، دولة لا تمت - دون شك - الي الاسلام بأي سبب و أية وسيلة. و في هذا ما فيه من نسخ كامل للاسلام و استبداله بوليد غريب لم تعرفه كل الجاهليات و الحضارات الانسانية طوال تاريخها. و هذا ما كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتخوف منه. فقد قال صلي الله عليه وآله وسلم مخبرا أميرالمؤمنين عليه السلام بما قد يقوم به بعض المحسوبين علي الاسلام من تحريف و تزوير، ينطلي و تخفي أهدافه علي جماهير واسعة من الأمة لأنه لا يصدر عن مؤمنين بهذا الدين أو مشركين معروفين بشركهم، و انما عن أناس تستروا بالدين، و جعلوا من أنفسهم قيمين عليه و ناطقين باسمه (فانه لا سواء امام الهدي و امام الردي و ولي النبي و عدو النبي. و لقد قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: اني لا أخاف علي أمتي مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بايمانه، و أما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان، يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون) [1] .

غير أن هذا ما وقع فعلا اذا ظهرت (دولة اسلامية أموية) جديدة، عدوة للدولة الاسلامية الأصل التي قادها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و قد تسترت بنفس الشعارات الاسلامية المعلنة. و قد كان تشخيصها كعدو، و محاربتها علي هذا الأساس، أمر يستدعي الكثير من الفهم و الادراك و القوه. و الأمران و الأولان لم يعوزا الامام علي أي حال، و لم تكن تعوزه البصيرة النافذة التي كانت أقرب ما تكون الي بصيرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه. أليس هو صلي الله عليه وآله وسلم القائل له: (انك تسمع ما أسمع و تري ما أري الا أنك لست بنبي و لكنت وزير، و انك لعلي خير) [2] .

و قد رسم هو عليه السلام صورة لنفسه، لا يملك من يتدبر شخصيته الكبيرة الا أن يري وضوحها و سطوعها بشكل ملفت للنظر حقا و فريد لا مثيل له، و يري أنه عليه السلام لم يكن يبالغ و انما يعرض أمام المسلمين الشخصية التي أعدها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقيادة


المسلمين من بعده، فكأنه عليه السلام كان يري لزاما عليه أن يعرف الأمة علي شخصيته التي حاولت قوي عديدة سحبها من دائرة الضوء عندما منع من ممارسة القيادة الفعلية للمسلمين.

(انما مثلي فيكم مثل السراج في الظلمة يستضي ء به من ولجها) [3] .

(ان معي لبصيرتي ما لبست و لا لبس علي) [4] .

(و اني لعلي بينة من ربي و منهاج من نبيي و اني لعلي الطريق الواضح ألقطه لقطا) [5] .

و ربما لم يمتلك أحد منا القدرة علي رسم شخصيته كما رسمها هو عليه السلام و من قبله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و لم يقدر أحد علي فهم هذه الشخصية، الا بمقدار قربه من الاسلام و فهمه له.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 545.

[2] المصدر السابق 240 - 307 - 409.

[3] نفس المصدر 240 - 307 - 409.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.