بازگشت

نموذج مزور مقابل نموذج أصيل


كان الامام عليه السلام يحاول من موقع مسؤوليته كقائد كلها أن ينقذ الأمة كلها مما يمكن أن يعبث و ينحرف بها عن الطريق الصحيح، و لم يكن ينطلق في وصفه أهل الشام من موقف متحيز ضدهم أو من باب الحقد علي هؤلاء الذين انقادوا لمعاوية كما


تنقاد الأغنام، فهو يعرف حال الجهل الذي كانوا عليه، كما أنه أبعد ما يكون عن الشطط و التجني علي الآخرين دون وجه حق.

و قد أزعجه أن يوجد أحد أتباعه السباب اليهم و رأي أن ذلك مجرد حالة سلبية تعمل علي توسيع شقة الخلاف، و ارساء عوامل القطيعة و الشقاق.

فهو بكلامه عن أهل الشام و عن الغوغاء و غير المتعلمين، انما كان يشخص حالات اجتماعية يتحكم بها مدي القرب أو الابتعاد عن الاسلام. و كان بتشخيصه حال مجتمع الشام، يحذر المجتمعات الاسلامية الأخري لكي لا تحذو حذو النموذج الأموي المتخلف،؛ فهو يضع أمامها هذا النموذج مكشوفا سافرا و يبين أسباب تخلفه و وقوعه فريسة سهلة بين يدي معاوية، و يبين كيف أنه لا يتماثل مع النموذج الاسلامي الذي حاول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ايجاده، بل و أوجده فعلا متمثلا بالطلائع الاسلامية الأولي التي تصدت للشرك و الكفر و الطغيان بصلابة و ايمان و قدمت التضحيات الهائلة من أجل اعلاء دين الله و نشر كلمته علي الأرض.

ان النموذج الأموي الذي وضع قبالة النموذج الاسلامي الأصيل، كان يقصد منه التصدي لكل نموذج مشابه لذلك النموذج الأول، الذي حاولت الدعاية الأموية تصويره بأنه (مثالي) بمعني غير ممكن التطبيق و لا يمكن أن ينجح مع الحياة و متغيراتها و تطوراتها و طبيعتها التي تقتضي تمتع الحاكمين بها - كما هو الحال في السابق - بمزيد من الدهاء و الحيلة و المكر و السياسة.

و كانت السياسة الأموية تكرس لايجاد طبقات متعددة في هذا المجتمع و ايجاد شرائح اجتماعية لها مصالح متعددة و متناقضة في أغلب الأحيان، فعملت علي احياء النزعة القبلية و سلطة شيوخ القبائل و ابراز مفهوم العصبية القبلية من خلال تركيزها علي (العرب) بشكل واضح و علي السيادة القرشية و حقها في تبوء المراكز الأولي في السيادة، و علي البيت الأموي بالخصوص كممثل (للسادة العرب) المؤهلين وحدهم لحكم الأمة الاسلامية، مما أوجد بالتالي حالة خلاف و تناقض و شعور بالتباعد بين بعض الشعوب التي دخلت الاسلام و كان لها ثقل كبير في المجتمع الاسلامي المتوسع المنتشر و بين أولئك الذين تبنوا النزعة العربية بشكل صارخ، مما انعكس كحالة سلبية توسعت علي مر الزمن. و قد حول أعداء الاسلام النفاذ منها لضربه و تقويضه.