بازگشت

الشام ثقة مطلقة بمعاوية


و قد بلغت ثقة أهل الشام بمعاوية حدا بعيدا، جعلهم يتلقون كل ما يصدر عنه باستجابة تامة دون تمحيص. و متي ما علمنا أنه عمل علي تركيز روح الجهل و خصوصا في أمور الدين - التي كانت سائدة فعلا لأنهم دخلوا في الاسلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما رأينا، و أنهم انما نظروا بمنظاره و وفق العقلية التي أرادهم أن يفكروا بها، فاننا نستطيع أن نقول ان أهل الشام كانوا نتاج معاوية و من صنع يديه، و كانوا نسيجا خاصا يختلف عن غيره. لم يكن بينهم (دخيل) يكره معاوية أو لا يميل اليه. و نستطيع القول أيضا ان الشام كانت أموية خالصة تنتمي الي آل أمية و الي معاوية انتماء خاصا حميما.

و لم يكن معاوية بحاجة الي دهاء كبير و سياسة ماكرة الي حد بعيد لكي يوجه أهل الشام كما يريد، و كان أي شخص في موقفه يستطيع تحقيق ما حققه من نجاح معهم، لأن فراغ هؤلاء و قلة ترابطهم القبلي و ضعف اتصالهم بعرب الجزيرة الذين تلقوا الاسلام بوقت مبكر، و قربهم من مواقع الامبراطورية القيصرية و وجود مصالح و علاقات مشتركة معهم، و عدم دخولهم الاسلام الا في وقت متأخر جعل هويتهم و انتماءهم غير واضحين.

و كان معاوية، هذا الذي تعززت تجارة ذوية مع أهل الشام قبل الاسلام، و الفترة الطويلة التي حكمها كعامل لمن سبقه من الخلفاء مضافة لفترة (الخلافة)، هذه الفترة التي تكاد بمجموعها، تمتد قرابة نصف قرن (الولاية و الخلافة)، طبعت أهل الشام بطابعه و وسمتهم بميسمه. و مما عزز مركزه قبل استلامه السلطة المطلقة (كخليفة)، أنه كان فعلا حاكما شبه مطلق (كعامل) في زمن الخلفاء السابقين و خصوصا عثمان، ابن عمه، مما جعل أهل الشام علي يقين بجدارته و كفاءته. بل و جدارة و رفعة العائلة الأموية الثرية كلها.

و اذا ما أضفنا الأحاديث المفتراة و القصص الموضوعة و التي ذكرنا قسما منها بخصوص معاوية، و مبدأ في العطاء و تساهله المفرط في الأموال العامة و الرشاوي المبالغ فيها، و استعانته بجيش محترف من المحدثين و القصاصين و (الصحابة) و الوعاظ و القادة العسكريين و غيرهم، أدركنا الجهد الذي كرسه معاوية في سبيل جعل الشام مملكته الخالصة الخالصة به دون أقطار الاسلام الأخري، و كيف أنه نجح بجعل أهلها أهله و ذويه و خاصته و خالصته.


لقد كان جهل أهل الشام المفرط بالاسلام ساعد معاوية الأيمن لتنفيذ مآربه و استخدامهم لهذه الغاية و جعلهم ينحازون اليه انحيازا تاما.