بازگشت

اوجه الصراع و مفارقاته


و قد أوضح الشهيد الصدر في احدي محاضراته القيمة المنشورة في كتاب (أهل البيت) الصعوبات التي واجهها الامام عليه السلام من معاوية و التي عملت علي شق


المجتمع الاسلامي الي جزئين وجد في كل منهما جهاز سياسي و اداري لا يعترف بالآخر. و كانت الظروف التاريخية التي تمر بها الأمة الاسلامية تجعل موقف معاوية قويا أو علي حد تعبير الشهيد تجعل (معاوية أحسن موقفا و أثبت قدما و أقدر علي الاستمرار في خطه من امام الاسلام عليه السلام [1] و نوجز هذه الأسباب مما ذكره الشهيد: (فأولا كان معاوية يستقل بأقليم من أقاليم الدولة الاسلامية، و لم يكن لعلي أي رصيد أو قاعدة شعبية في ذلك الاقليم، لأن هذا الاقليم قد دخل في الاسلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و انعزال علي عن خط العمل. و كان هذا الاقليم قد دخل و دشن حياته الاسلامية بولاية يزيد أخي معاوية ثم بعد بولاية معاوية و عاش الاسلام من منظار أبي سفيان.[أما]معاوية فكان يملك رصيدا قويا و قواعده قوية في المجتمع الذي تزعمه الامام عليه السلام لأن معاوية كان يحمل شعار الخليفة المقتول و المطالبة بدمه.

و ثانيا:... أميرالمؤمنين عليه السلام بوصفه الحاكم الشرعي و المسؤول عن الأمة الاسلامية كان يريد أن يقضي علي الانشقاق بشخصية هؤلاء المنحرفين و اجبارهم بالقوة علي انضمامهم الي الخط الشرعي. و كان هذا يستدعي الدخول في الحرب التي تفرض علي علي عليه السلام الطلب من العراقي أن يخرج من العراق، تاركا أمته و وحدته و استقراره و معيشته و رخاءه ليحارب أناسا شاميين لم يلتق معهم بعداوة سابقة، و انما فقط بفكرة أن هؤلاء انحرافوا، فكان موقف علي عليه السلام يتطلب و يفترض و يطرح قضية الهجوم علي أناس لا يملكون في غالبيتهم - الوعي في حين أن معاوية بن أبي سفيان يكتفي بأن يحافظ علي وجوده في الشام، و لم يفكر (بوجود أميرالمؤمنين) أن يهاجم أميرالمؤمنين و أن يحارب العراق و يضم العراق. و انما كان يفكر فقط في أن يحتفظ بهذا الثغر حتي تتهيأ له الفرص و المناسبات و الظروف الموضوعية، بعد ذلك يتآمر علي الزعامة المطلقة.

و ثالثا: كان معاوية في بلد لم يكن قد نشأت فيه، زعامات سياسية طامحة الي الحكم و السلطان و لم يكن فيه أناس ذوي سابقة في الاسلام، ممن يري لنفسه الحق أن يساهم في التخطيط و في التقدير و في حساب الحاكم و في رسم الخطط. أما علي عليه السلام فكان يعيش في مدينة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. و كان يواجه كثيرا ممن


يرون أن من حقهم أن يساهموا في التخطيط و أن يشتركوا في رسم الخط. يواجه أشخاصا كان يرونه ندا لهم، غاية الأمر أنه ند أفضل، لكنهم صحابة كما أنه هو صحابي عاش مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم و عاشورا مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

ان خلافة علي كانت بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعشرين سنة، و هذا معناه أن ذلك الامتياز الخاص الذي كان يتمتع به أميرالمؤمنين عليه السلام في عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كالنجم لا يطاول. قد انتهي مفهومه و تضاءل أثره في نفوس المسلمين، الناس عاشورا عشرين سنة يرون عليا مأموما، يرونه منقادا، يرونه جنديا بين يدي أمير. هذا الاحساس النفسي خلال عشرين سنة أذهب تلك الآثار التي خلفها عهد النبوة.

رابعا: كانت توجد هناك الأطماع السياسية و الأحزاب السياسية التي تكونت في عهد ابن الخطاب و استفحلت بعده نتيجة الشوري. و كانت حالة الاستسلام في المجتمع الشامي بالنسبة الي معاوية لا يوجد ما يناظرها بالنسبة الي الامام عليه السلام في مجتمع المدينة و العراق.

خامسا: الامام كان يتبني قضية هي في صالح الأضعف من أفراد المجتمع، و كان معاوية يتبني قضية هي في صالح الأقوي من أفراد المجتمع.

تصوروا مجتمعا اسلاميا و هو يعلم بالتقسيمات القبلية بمعني أن القبلية كانت تخضع اداريا و سياسيا لزعامة تلك القبيلة التي تشكل همزة وصل بين القبيلة و بين الحاكم الذي يسهل عليه أن يرشي رؤساء هذه القبائل. و هذا ما كان يفعله غير علي عليه السلام من الحكام و كان عاملا من عوامل القوي بالنسبة الي معاوية. معاوية لم يكن شخصا مكشوفا، بل كان شخصا عنوانه الاجتماعي أنه حريص علي كرامة الاسلام و أنه الشخص الذي استطاع أن يدخل في قلب الخليفة الخشن (عمر) الذي يعاتب و يعاقب، الذي كان يضرب ابنه بحد الخمر حتي يموت، هذا الخليفة لم يضرب معاوية و لم يعاقبه. معاوية كان نتيجة من قبل الحكام و الخلفاء و المنحرفين، و كان يتمتع بسمعة طيبة و بمفهوم طيب. هنا دخل الصراع لأول مرة شعار الأخذ لدم عثمان. و كان يبدو شعارا له وجهة شرعية.

[كما أننا]يجب أن نقدر موقف هؤلاء الذين ضحوا و بدلوا و قدموا، ثم أصبحوا يشككون لأن من مصلحتهم أن يشككوا و أصبح الامام يدفعهم فلا يندفعون، يحركهم فلا يتحركون. لأن من مصلحتهم أن يعطوا للمعركة مفهوما جديدا و هو أن القصة


قصة زعامة علي أو معاوية. و هذا التفسير الذي أوحت مصلحة هؤلاء و هؤلاء هو الذي كان يشكل عقبة دون أن يتحرك هؤلاء من جديد الي خط الجهاد) [2] .


پاورقي

[1] أهل البيت - مطبوع بالرونيو - السيد محمد باقر الصدر.

[2] أهل البيت - السيد محمد باقر الصدر ص 111 - 104.