بازگشت

لماذا استهدف معاوية الكوفة


و لابد أن معاوية كان يعلم أن الامام عليه السلام بانتقاله من المدينة، و قد أصبحت بؤرة للفتن و الخلافات، و جعله الكوفة مقرا للخلافة، أراد أن ينشي ء طليعة اسلامية جديدة لمجتمع اسلامي سليم مبرء من العيوب و المساوي ء التي علقت به في ظل مسيرة متعثرة و غير منتظمة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، يربيها هو عليه السلام و يعدها علي غرار الطليعة التي رباها و أعدها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في مكة و المدينة رغم معرفته للصعوبات التي قد يلاقيها في هذا المجال. و لم يكن معاوية بالذي تفوته مقاصد الامام عليه السلام التي لم يكن يخفيها بأي حال من الأحوال، و التي لم تكن مما يراد اخفاؤه علي أي حال، و قد كان يعلم أن قيادة الامام عليه السلام و توجيهاته، تمثل امتدادا واقعيا لقيادة و توجيهات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه، و كان يدرك مدي الخطر الذي يمكن أن يلحقه اذا ما استطاع الامام انجاز مهمته و تربية جيل رسالي جديد، يكمل مسيرة الجيل الأول من الصحابة الذي رباه و أعده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثم ترك بعد وفاة صلي الله عليه وآله وسلم نهبا للتيارات و الأطماع و العصبيات و النزاعات، و قد ترك معظم أبناء ذلك الجيل الساحة بوفاتهم، و عادت بعض النزعات و التطلعات الجاهلية للبروز علي السطح، عمق منها وزادها ظهور طبقة ثرية مترفة برزت علي حساب المسلمين أنفسهم و منهم من الجيل المحسوب علي الصحابة أنفسهم.


و طبيعي أن يسعي معاوية لعرقلة مهمة الامام عليه السلام و ايقافها و بذل كل ما في جعبته لهذا الغرض و هكذا عمل في بداية انشقاقه و خروجه علي الامام عليه السلام بعد اجماع المسلمين علي مبايعته، علي اقامة كيان مناوي ء للدولة الاسلامية التي أراد الامام أن يعيدها الي الخط الذي كانت عليه زمن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.

و كانت الادارة الأموية (المتساهلة) بأمور المال و انفاقه و بذله، و غير المدققة بالأمور الأخلاقية و السلوكية، و التي تعايشت مع أهل الشام و جعلت لها محط قدم بينهم حتي قبل ظهور الاسلام، جعلتهم ينظرون الي الاسلام بمنظارها و قد حققت نجاحا كبيرا معهم، و كان ذلك عاملا علي جعلها تحقق (نجاحات) كبيرة في نزاعها مع الامام خصوصا بعد تبنيها قضية رائجة جديدة هي مقتل عثمان، بعد أن مهدت لذلك مع بعض القوي الحليفة الأخري، و مطالبة الامام بتسليم الثوار، ثم توجيه الاتهام له عليه السلام نفسه بأنه ساعد و شجع أولئك الثوار علي قتل عثمان.

و كان استقلال معاوية بالشام، و احتفاظه بها لنفسه، و تحيز أهلها المطلق الي جانبه و تبنيهم أفكاره و نظراته، اضافة الي الرسالة التي أحاط بها نفسه كما ذكرنا في هذا الفصل جعله في مركز يتمكن معه من اعلان نواياه ضد الامام و خروجه خروجا سافرا مدعما بقوة عسكرية كبيرة عن القيادة الاسلامية العليا المتمثلة بالامام عليه السلام.

و مما أتاح له كسب المزيد من المواقف (الرابحة) بقاؤه في الشام معلنا من هناك مناوأته للامام، و ارساله فرقا صغيرة تشن حرب عصابات خاطفة علي كل من يشم منهم رائحة الولاء للدولة الاسلامية بقيادة الامام تقوم بعمليات مدمرة لا تفرق فيها بين طفل أو شجرة أو حيوان. لا تلزمها ضوابط أو قوانين، بينما كان الامام بحكم شعوره بالمسؤولية تجاه الأمة كلها و حرصه علي كل فرد من أبنائها، يري ضرورة اعادة هذا الجزء الخارج عليه، و هو الشام الي حضيرة المجتمع المسلم، و يحشد الجيش في بين الذين اختارهم طليعة جديدة، و كان علي هؤلاء أن يتركوا موطنهم و حياتهم العادية المألوفة ليذهبوا عدة أشهر الي الشام محاربين شاكي السلاح بوجه عدوهم و قد لا يعود بعضهم الي أهله و يقتل في ساحة المعركة.