بازگشت

احتكار الثروة، تمهيد لدولة المستكبرين و الطغاة


ان تحريف النظام الاقتصادي المالي القائم علي أساس الاسلام، لا يعني مجرد محاولة غير مؤذية للعبث، و ان عواقبها يمكن تداركها باصلاحات أو تعديلات فيما بعد، و انما التمهيد لخلق نظام طبقي طاغوتي لا يتحكم فيه مجرد فرد طاغية و انما طبقة طاغية، يمهد الثراء و المال المتكدس لبروزها و صعودها و تؤليها شؤون الطبقة الأخري التي لابد أن تكون مستضعفة مستغلة، و لابد أن تكون تبعيتها للأولي بحكم فقرها و حاجتها، و بروز حالات سلبية عديدة فيها كالجهل و المرض و ما يجرانه وراءهما من ويلات و مآس.


(وردت في القرآن الكريم مفاهيم اجتماعية كثيرة. و قد نقلنا في مباحث المجتمع 50 كلمة من مفردات القرآن حول المجتمع. و مع ملاحظة الآيات الاجتماعية في القرآن التي تشتمل علي هذه المفردات يستشعر نوع انقسام في المجتمع الي قطبين. فقد ورد فيه نوع من هذا الانقسام علي أساس الاقتصاد، أي علي أساس التنعم و الحرمان الاقتصادي، حيث عبر عن أحد القطبين بالملأ (أي امتلاء العين بالفخفخة و الكبكبة) و المستكبرين و المسرفين و المترفين، و عن القطب الآخر بالمستضعفين (الذين أصيبوا بالذلة و الاستضعاف) و الناس (الشعوب) و الذرية (الصغار الذين يحتقرون و لا يملأون عينا في قبال الملأ) و الأراذل و الأرذلون (الأوباش)[و هذا التعبير لم يقله القرآن عن نفسه، بل نقله عن لسان المخالفين]. و جعل هذين القطبين متقابلين. هذا من جهة، و من جهة أخري، أقر بنوع من الانقسام علي أساس المفاهيم المعنوية، فجعل أحدهما الكفار و المشركين و المنافقين و الفاسقين و المفسدين، و الآخر المؤمنين و الموحدين و المتقين و الصالحين و المصلحين و المجاهدين و الشهداء.

و اذا دققنا النظر في محتوي الآيات القرآنية التي تعرضت لهذين التقسيمين وجدنا نوعا من التطابق بين القطبين الأولين، المادي و المعنوي، و كذا بين القطبين الثانيين. أي أن الكافرين و المشركين و المنافقين و الفاسقين هم الملأ و المستكبرون و المسرفون و المترفون و الطواغيت، لا غيرهم و لا المتشكل منهم و من غيرهم. و أن المؤمنين و الموحدين و الصالحين و المجاهدين هم المستضعفون و الفقراء و المساكين و العبيد و المظلومون و المحرومون، لا غيرهم و لا المتشكل منهم و من غيرهم. اذن فالمجتمع ينقسم الي قطبين فقط: القطب الثري الظالم المستعمر، و يشكله الكافرون، و القطب المستضعف و يشكله المؤمنون. و بذلك يتبين أن انقسام المجتمع الي مستضعف و مستضعف هو الذي اوجد الكافر و المومن. فاستضعاف الاخرين منشأ الشرك و الكفر و النفاق و الفسق و الفساد، و الاستضعاف بالآخرين منشأ الايمان و التوحيد و الصلاح و الاصلاح و التقوي.

و لكي يتضح هذا التطابق تكفي مراجعة الآيات من آية 59 الأعراف التي تبدأ بآية (لقد أرسلنا نوحا الي قومه) الي آية 137 التي تنتهي بآية (و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون) و مجموعها أربعون آية[و قد ذكر المترجم في الهامش أنها 79[و قد ورد في هذه الآيات قصص الأنبياء نوح و هود و صالح و لوط


و شعيب و موسي عليهم السلام باختصار، و في جمعيها (ما عدا قصة لوط) يشاهد أن الطبقة التي آمنت بالأنبياء هم المستضعفون، و الطبقة التي خالفت و كفرت هم الملأ و المستكبرون. و هذا التطابق لا يمكن تفسيره و توجيهه الا علي أساس الوجدان الطبقي الذي هو لازم للمادية التاريخية و مستلزم لها. اذن فالواقع أن مواجهة الكفر و الايمان من وجهة نظر القرآن انعكاس من مواجهة المستضعفين و المستضعفين.

و قد صرح القرآن الكريم بأن الثراء و الملكية، و بتعبير القرآن (الغني) أساس الطغيان و التمرد. أي أنه يناقص التواضع و السلم، و قد دعا الأنبياء اليهما. قال تعالي: (ان الانسان ليطغي أن رءاه استغني) [1] و نجد القرآن أيضا يذكر قصة قارون تأكيدا علي الأثر السي ء الذي تتركه الملكية في الانسان. فقارون كان من الأسباط و لم يكن قبطيا، بمعني أنه كان من قوم موسي عليه السلام و من تلك الطبقة المستضعفة علي يد فرعون، و مع ذلك فهذا الفرد المستضعف حينما أصبح مالكا عظيما لأسباب خاصة تمرد و طغي علي قومه المستضعفين قال تعالي: (ان قارون كان من قوم موسي فبغي عليهم) [2] ألا يظهر من هذا أن نضال الأنبياء ضد الطغيان انما كان في الواقع ضد الملكية و المالكين؟ و قد صرح القرآن في بعض الآيات بأن زعماء مخالفي الأنبياء كانوا من المترفين أي الغارقين في النعيم. و قد ورد هذا الأمر في سورة سبأ 34 كأصل و قانون عام. قال تعالي: (و مآ أرسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بمآ أرسلتم به كافرون) [3] كل هذا يدل علي أن مواجهة الأنبياء و مخالفيهم و مواجهة الايمان و الكفر كان انعكاسا لمواجهة الطبقتين الاجتماعيتين: المستضعفين و المستضعفين) [4] .


پاورقي

[1] العلق 7 - 6.

[2] القصص 76.

[3] سبأ 34.

[4] المجتمع و التاريخ: الشهيد مرتضي المطهري ط 1979 / 1302 - 1 طهران ص 131 - 128.