بازگشت

لا يحق لأحد أن يخترق أي جانب من جوانب النظام الاسلامي


ان الجانب المالي لم يكن بالجانب الهامشي و المنقطع عن الجوانب الأخري التي أرادها الاسلام أن تتكامل و تتحد لتظهر صورة واضحة للاسلام، و لم يكن جانبا يمكن فصله عن غيره. و ان الحياة يمكن أن تسير بشكل طبيعي، رغم العبث به و التلاعب بأحكامه، و لا يمكن تحقيق الالتزام بهذه الأحكام ما لم تضمن الالتزام و الاستجابة التامة لأحكام الاسلام كلها، بل لعل الاستجابة لأحكام الاسلام في مجال التنظيم الاقتصادي و الاستعداد للالتزام بها و تطبيقها، قد تحققت بعد الاستجابة لكل أحكامه الأخري في مجال الأخلاق و السلوك و العبادات. و حتي العبادة اقترن مفهومها في الاسلام بتطبيق كل ما أمر الله بتطبيقه و الانتهاء عما نهي عنه. فليست في الاسلام مجرد أداء طقوسي منقطع عن الأداء الحياتي اليومي.

و اذا جاء أحد بعد ذلك ليقول ان معاوية لم يخترق الاسلام و لم ينحرف الا في جانب واحد هو الجانب الاقتصادي أو في جانبين فقط هما الاقتصادي و المالي. و أن لا بأس عليه في ذلك ما دام ملتزما بالفرائض الأخري مثل الصلاة و الصوم و حج البيت و سعي ببناء المساجد و توسيعها و زخرفتها، فكأنه بذلك يريد أن يوقع شهادة تبرئة أو شهادة اجتياز لاختبار في مجال معين من مجالات الدراسة أو الحياة. و كأن ذلك (المختبر) قد نجح أمام أساتذة في مدرسة من المدارس و أنه نجح في معظم المواد و لم يفشل الا في مادة واحدة أو مادتين، و لربما لم يعد فاشلا تماما في هذه الحالة.


و قد غاب عنهم فهم الأداء المتكامل للاسلام - و ربما فهموه و أنكروه - ذلك الأداء الحياتي المتكامل لا الأداء المظهري السلوكي العادي أو الأداء الطقوسي المجرد لبعض العبادات كالصلاة و الصيام و الحج و غيرها. و لا نعتقد أن معاوية كان من الغباء بحيث لم يكن يدرك ذلك و أنه لم يسمع أو (يضع) من الأحاديث الا تلك التي أراد استغلالها للترويج لشرعية وجوده في السلطة و حسب.

و لا نعتقد أن هؤلاء المدافعين لا يعتقدون أن النظام المالي في الاسلام ليس من البساطة بحيث يتصوره البعض أنه مجرد توجه أخلاقي بحث للحث علي بعض ممارسات الخير و الاحسان و الظهور بمظهر و دي تجاه الآخرين و أنه مجرد عمل تطوعي، و أن معظم أحكامه ليست الزامية و انما نابعة من شعور الشخص نفسه و مدي استجابته العاطفية و الأخلاقية لعوامل الخير و البر، و حتي الاستجابة العاطفية لم يرد لها الاسلام أن تكون مبنية علي تصورات خاصة و انما مبنية علي شعور الفرد بالانتماء التام للاسلام و المجتمع القائم علي الاسلام و المنتمي اليه أيضا، و علي الاستجابة التامة لكل حاجات هذا المجتمع و ضمان سلامته و انتظام علاقات أبنائه علي أساس قيم الاسلام و أخلاق الاسلام و تصورات الاسلام التي لا تفرط بأي جانب من جوانب النشاط الانساني، و لا تترك أيا منها دون توظيف ايجابي لها، و لا تترك مسألة أو مشكلة قد يواجهها المسلم دون حلول مناسبة معقولة منسجمة مع الواقع و مع متغيرات الحياة. و لم تكن هذه القيم اعتباطية، خاضعة لرغبات أو نزوات أو مطامح شخص معين، أو قابلة للتحريف أو التبديل. و يمكن تلمسها و رؤيتها، رغم محاولات العبث الواضحة بها منذ وقت مبكر بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.