بازگشت

لا تلاعب بالتشريعات الالهية


ان المسلمين - من وجهة نظر الاسلام - لا ينظرون الي الأرض باعتبارها جزءا منفصلا عن السماء، بل انهم يستمدون صلاحيتهم كخلفاء علي الأرض من السماء نفسها، و يعملون علي التطور و الابداع انطلاقا من شعورهم بمسؤولية هذه الخلافة المقيدة بتعاليم السماء و شروطها و قوانينها و قيمها. اخوة تحت مظلتها، لا يتجاوز بعضهم علي بعض و لا علي تلك القوانين التي استظلوا بها تحت أي ظرف و لأي سبب. سواسية لا طواغيت و لا أربابا من دون الله.

و لا كما صور معاوية الأمر، حكما كيفيا غير مقيد. (فخلافته) لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه - كما نادي بذلك العديد من أتباعه و مريديه و المخدوعين به - تفرض عليه العمل بما جاء به الرسول صلي الله عليه وآله وسلم و عمل به، و أي خروج متعمد - بأية دعوي أو ذريعة - يعني الخروج السافر علي مقومات هذه الخلافة نفسها. و ما كان لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه - و حاشاه ذلك - أن يأتي بشريعة أو قوانين من عنده، أو يخفي بعض ما أمره الله سبحانه أن يظهره للناس.

و نلمس من الخطاب الالهي و التحذير الشديد من الخروج و لو بشكل جزئي عن الأقوال و التعاليم و التشريعات الالهية، مغبة قيام الناس بايكال مهمة التصرف بالتشريعات الالهية لأنفسهم. لأن المجتمعات البشرية ستكون مليئة بالنقائص و مزدحمة بالتشريعات المتضاربة التي ستجعل منها عدوة لبعضها، منقادة للمشرعين (الحكام) الذين ينطلقون حتما من تصورات و نزعات خاصة لا يقيدها قانون أو نظام أو مبدأ مقر من قبل الجميع. و سيكون ذلك مدعاة لفوضي متزايدة علي مر السنين و صراعات بين (المشرعين) الذين سيدعون العصمة و الكمال و الفهم، و بين الشعوب و الأمم التي يتسلط عليها أولئك المشرعون الموهوبون..!! و هذا ما حصل فعلا و يحصل الآن. و قد يكون علة دمار و خراب هذه الشعوب المضطهدة المستضعفة.

ان الجريمة تتضاعف عندما يمنح بعضهم لنفسه صلاحية التشريع باسم الاسلام. هذه الرسالة السماوية المتكاملة التي ما كانت لتغفل عن تنظيم هذه الحياة بشكل متوازن دقيق لا يتيح بروز أية زوائد ضارة في جسم المجتمع أو أية قوي طاغوتية متسلطة مستغلة. بل تمهد لظهور حياة منسجمة، يعمل فيها الجميع و فق نسق واحد و تصور واحد واتجاه واحد كأخوة حقيقيين تجمعهم وحدة المشاعر و المصالح لا متنافسين متعادين (فالمسلمون الذين يمارسون اعمار الأرض بوصفها جزءا من


السماء التي يتطلعون اليها و يساهمون في تنمية الثروة باعتبارهم خلفاء عليها، أبعد ما يكونون عن الزهد السلبي الذي يقعد الانسان عن دوره في الخلافة، و أقرب ما يكونون الي الزهد الايجابي الذي يجعل منهم سادة للدنيا لا عبيدا لها، و يحضهم ضد التحول الي طواغيت لاستغلال الآخرين) (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلوة و ءاتوا الزكوة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لله عقبة الأمور) [1] [2] .


پاورقي

[1] الحج - 41.

[2] منابع القدرة في الدولة الاسلامية ص 207.