بازگشت

ما دامت قد وصلت الي معاوية.. فتصل يزيد


ان المعلومات المتوفرة لدي معاوية تجعله يدرك بلا شك الدور الذي أعد له الامام عليه السلام من قبل رسول صلي الله عليه وآله وسلم لاحتلال المركز القيادي الأول في الدولة في الاسلامية بعد غيابه صلي الله عليه وآله وسلم، و قد اطلعنا علي الرسالة التي بعث بها الي محمد بن أبي بكر و التي يعترف بها بأحقية الامام بهذا المركز، كما كان يدرك أيضا الدور الذي أعد له أئمة آل البيت عليهم السلام كقادة للأمة و ذلك لما تواتر الي سمعه من أقوال و أحاديث صحيحة بهذا الخصوص لم تكن لتخفي عليه و هو المراقب اليقظ. و كان بعمله علي منافسة الامام صلي الله عليه وآله وسلم علي هذا الدور، انما كان يعمل علي انتزاع هذه القيادة من الأئمة عليهم السلام الي الأبد، و يلغي بذلك قيادة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسها، أي قيادة الاسلام و يجعلها في سلالة بديلة هي سلالته هو، ما دام قد نجح في بث مفاهيمه الجديدة بمختلف الأساليب و نجح - نفسه - في الوصول الي المركز الأول في الدولة بديلا عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. لقد وجد أن ما طمح اليه غيره ليس مستحيلا عليه، و ان ما وصل اليه ليس مستحيلا علي أولاده من بعده. و هكذا صرح أن يزيد أحق بالأمر من غيره. من أبناء (المنافسين) الآخرين، و قال: (انه لم يبق الا ابني و أبناؤهم، فابني أحب الي من


أبنائهم» [1] . فلم يكن يري أن أحدا يمكن أن يفضل ابنه بشي ء حتي و ان كان من آل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنفسهم، فما دام هو قد نافس علينا، و انتزع الخلافة من الحسن، و أخضع الأمة كلها لحكمه و سلطانه، فما الذي يمنع يزيد من أن يكون خليفة بعده.

و قد أراد تصوير أمر تسلسل الخلافة لدي الأئمة و كأنه استئثار للسلطة من قبلهم، و أنهم خصوا بذلك لأسباب القرابة و حسب، فحاول بدوره أن يقطع هذه السلسلة، و يستأثر بالسلطة له و لسلسلة مزيفة أخري من السلالة الأموية البعيدة عن الاسلام.

و كان موقف الأئمة الأوائل، أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام واحدا من مسألة الخلافة و الصراع عليها مع معاوية و يزيد، رغم أنه اتخذ أشكالا مختلفة في الظاهر، و سنتكلم عنها بعد توضيح و كشف الجوانب التاريخية المتعلقة بصلح الحسن عليه السلام و ثورة الحسين عليه السلام. و قد رأينا كيف عالج أميرالمؤمنين عليه السلام هذه المسألة قبل معاوية و منذ البداية.

لقد كان معاوية يمهد لخلافة يزيد قبل وفاته بمدة طويلة، و كان يلجأ الي شتي الأساليب المتاحة لديه و التي كان يراها هو مناسبة بما فيها أسلوب الارهاب و القمع و العطاء الكيفي و بذل المناصب و غيرها - كما سنبين ذلك بعون الله تعالي.

و لم تكن المسألة أمرا هينا و سهلا حتي يتماهل معاوية أو يتكاسل في بذل أقصي جهوده و امكاناته، فقد كان الأمر أمر ملك واسع عريض يستأثر به هو و عائلته الي الأبد، و ما كان معاوية الذي عرف كل مباهج الدنيا و لذائذها ليترك هذه الدنيا تسلب من أبنائه و هو الذي نظر اليها نظرة أرضية متدنية واطئة طيلة حياته الحافلة.


پاورقي

[1] المصدر السابق 111 - 5.