بازگشت

ندم متأخر


«فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء».

و قد ندما هما شخصيا علي الكثير من المواقف التي وقفاها في حياتهما و علي الأخطاء التي صدرت عنهما.

فقد ورد عن أبي بكر قوله: «فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء، و ان كانوا أغلقوه علي الحرب» [1] .

و ورد عن عمر أنه لما ثقل وضع خده علي الأرض و قال: «ويل لعمر و لأم عمر ان لم يعف الله عنه» [2] .

و قوله: (و لوددت أني نجوت من هذا الأمر كفافا لا لي و لا علي) [3] .


و كان يعلم قدرة الامام عليه السلام علي تجسيد الرسالة في كل المجالات الروحية و العلمية. و قد أعطي السبب في اقصائه عن مركز القيادة بعد وفاة رسول الله، و قال لابن عباس: (ما يمنع قومكم منكم و أنتم أهل البيت خاصة؟. انكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا: ان فضلوا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا، و ان أفضل النصيبين بأيديكم، بل ما أخالها الا مجتمعة لكم، و ان نزلت علي رغم قريش) [4] .

و ربما أراد أن يستدرك الأمر عند وفاته، و قد صرح قبيل ذلك قائلا: (قد كنت أجمعت بعد مقالتي بكم أن أولي رجلا أمركم أرجو أن يحملكم علي الحق، و أشار الي علي) [5] .

و اذا فان هذين الرجلين مهما بلغ مركزهما و هما يعترفان للامام بالفضل و السبق و الكفاءة - مع أن هذا أمر مشهود به و معترف من قبل الجميع حتي أعداء الامام أنفسهم - و يشيدان بانفعاله الكامل بالرسالة و اندماجه بها، لا يمكن أن يطالبانه بالعمل بعملهما. و هما لم يفعلا ذلك قطعا، لأنهما يدركان أنهما لا يمكن أن يكونا نموذجين كاملين مثله.

ان من دعا الي الحكم بعمل الشيخين، لم يكن يريد مصلحة الاسلام بلا شك - بل أراد ترسيخ نمط من الحكم لا يلتزم بدقة بالنمط الأول الذي أوجده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و يسمح لنوع من (الاجتهاد) الكيفي المبني علي القياس في أغلب الأحيان و يتيح مجالا لخروج أكثر عن أكثر التعليمات و التشريعات الاسلامية صرامة و جدية.

و يا ليت من قبل العمل بسنتهما و عملهما قد عمل بذلك فعلا و التزمه لكان ذلك الحد مقبولا الا أن من قبل ذلك، يبدو أنه تعمد أن يخرج حتي عن الحدود الدنيا المطلوبة.

و قد استفاد معاوية من كل ذلك و وظفه لخدمته. فما دام الأمر لابد أن يكون في قريش (أما في أيها فهذا لا يهم في نظره)، فانه أصبح بذلك يمتلك المؤهل الأول و الشهادة المعترف بها من قبل الجميع و هو انحدار النسب من بني عبدمناف، و أصبح يلوح للناس دائما بقرابته من النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم بمصاهرته صلي الله عليه وآله وسلم، اذا أنه زوج أم حبيبة.


و قد رأينا في بعض رسائله التي أرسلها للامام عليه السلام و أراد لها أن تنتشر بين الناس، تلويحه بالقرابة و النسب الي غير ذلك و نشره الحديث الموضوع عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: «دعوا لي أصهاري...!! و أغلب الظن أنه أراد بذلك أن تقرأ هذه الرسائل علي أهل الشام، ليبين لهم علاقته (الحميمة) بالامام و أنه لا يفرق عنه الا من حيث سابقة الامام عليه السلام في الاسلام. و هو أمر جعله معاوية في نظر الشاميين غير ذي أهمية، ما دام أنه معاوية في نظرهم لا يقل عن عثمان نفسه و ما دام يمتلك المؤهلات الكافية الأخري مثل النسب و الدهاء و القدرة علي السياسة و الحكم و ادارة الدولة.


پاورقي

[1] العقد الفريد 31 - 25 - 19 - 5.

[2] نفس المصدر.

[3] نفس المصدر.

[4] نفس المصدر.

[5] نفس المصدر.