بازگشت

التسلط الفرعوني سبب كل الرذائل


في الآيات السابقة و غيرها (يستعرض القرآن الكريم السبب الأول لتبني المجتمع هذا المثل الأعلي المنخفض، هؤلاء بحكم الالفة و العادة، و بحكم التميع و الفراغ و جدوا سنة قائمة، و جدوا وضعا قائما، فلم يسمحوا لأنفسهم بأن يتجاوزوه، جسدوه كمثل أعلي عارضوا به دعوات الأنبياء علي مر التاريخ؛ هذا هو السبب الأول لتبني هذا المثل الأعلي المنخفض، و السبب الثاني لتبني هذا المثل الأعلي المنخض هو التسلط الفرعوني علي مر التاريخ. الفراعنة علي مر التاريخ حينما يحتلون مراكزهم يجدون في أي تطلع الي المستقبل و في أي تجاوز للواقع الذي سيطروا عليه، يجدون في ذلك زعزعة لوجودهم و هزا لمراكزهم.

من هنا، من مصلحة فرعون علي مر التاريخ أن يغمض عيون الناس علي هذا الواقع، أن يحول هذا الواقع الذي يعيشه الناس الي مطلق، الي اله، الي مثل أعلي لا يمكن تجاوزه؛ يحاول أن يحبس و أن يضع كل الامة في اطار نظرته هو، في اطار وجوده هو، لكي لا يمكن لهذه الامة أن تفتش عن مثل أعلي ينقلها من الحاضر الي المستقبل، من واقعه الي طموح آخر أكبر من هذا الواقع؛ هنا السبب اجتماعي لا نفسي. السبب خارجي لا داخلي. و هذا أيضا ما عرضه القرآن الكريم:

(و قال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من اله غيري) [1] .


(قال فرعون مآ أريكم الا مآ أري و مآ أهديكم الا سبيل الرشاد) [2] .

هنا فرعون يقول ما أريكم الا ما أري و يريد أن يضع الناس الذين يعبدونه في اطار رؤيته، في اطار نظرته، يحول هذه النظرة و هذا الواقع الي مطلق لا يمكن تجاوزه، هنا الذي يجعل المجتمع يتبني مثلا أعلي مستمدا من الواقع، هو التسلط الفرعوني، الذي يري في تجاوز هذا المثل الأعلي خطرا عليه و علي وجوده) [3] .

لقد حاول معاوية مجددا تثبيت الواقع الذي سيطر عليه، و حاول منع الناس من تجاوزه أو تخطيه. فحينما ساهم الي حد بعيد في وضع الأمة في مأزق الفتن و الحروب، و التصدي لامام الأمة عليه السلام و جد أن مما يساعده علي ذلك تشجيع حالة التسرب من الاسلام و الالتزام الحقيقي به، و ايجاد حالة من الفوضي العقائدية و التباس المفاهيم و تشابكها و تعددها، ليبرر كل تصرف له بأنه تأويل و أنه قد يصيب مرة و يخطي ء أخري - كما يفعل غيره أيضا، و ربما حاول ابراز سلوك الامام عليه السلام و خصوصا أمام المغرر بهم من أهل الشام بأنه خطأ دائمي بحق المسلمين و راح يزرع الحقد الأعمي عليه في نفوسهم الي حد قيامهم بسبه استجابة لتوجيهات معاوية و رغباته.

أراد معاوية أن يجد مبررا لكل تصرف منحرف من قبل (الحاكم). و عزز ذلك نظرته و تسامحه بشأن يزيد و هو (مثل أعلي) مرتقب، و كذلك بشأن حاشية يزيد، و ما أحاط به نفسه هو من الأبهة و الفخفخة و الحاشية المتنعمة و الأمراء و رؤساء الجنود و القبائل الذين خطوا بامتيازات و رواتب و عطاءات أكثر من الآخرين. و قد رويت لنا أقاصيص غريبة عن حياتهم و بذخهم و ترفهم.

انه بمحاولة توطيد الحكم و تمهيده ليزيد بحالته التي هو عليها دون تحسين سلوكه و دون بذل سوي محاولات ضئيلة بهذا الاتجاه لتحسين صورته، أراد اعداد حالة جامدة و متكررة و مألوفة لدي المجتمع الاسلامي، يدعمها بكل امكانات الدولة الاسلامية التي يرأسها بمختلف الأساليب التي تتيحها له (عبقريته) الفريدة و (دهاؤه) المعروف. لتظل الحالة المتكررة هي حالة الثبات المطلوب ايجاده لدي الأمة الاسلامية.


و لم يلزم معاوية نفسه و (خلفاءه) و قواده و أمراءه بأية التزامات أخلاقية معينة، بل أعد الأمة المسلمة لتقبلهم - كما هم - و بما هم عليه من انحراف و فساد و حتي بمستوياتهم المتدنية، لأنه أدرك أن من سيأتون بعده لا من أن ينهاروا و يسقطوا اذا ما انتبهت الأمة الي النماذج الفريدة المتمثلة بالرسول الكريم عليه السلام و آله. و اذا ما أثاروا تقززها و نفورها من سلوكهم الطائش الأرعن غير المتحفظ.


پاورقي

[1] القصص 38.

[2] غافر 29.

[3] المدرسة القرآنية 152 - 151.