اذا كان رب الدار بالدف ضاربا
فاذا كان الخليفة القائد علي هذا المستوي من الانحدار و الانحطاط، فكيف سيكون حال رجل الشارع الذي أريد به أن يتخذ من هذا الخليفة مثلا أعلي؟.
لقد أظهر الناس شرب الشراب، و ظهر الغناء و استعملت الملاهي. أي أن الفساد كان معلنا متفاخرا به ليس في الشام وحدها، و انما في أقدس بقعتين من العالم الاسلامي، كعبة الله و عاصمة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - مع أنه ظهر بشكل أخف في عهد عثمان
و معاوية. كان ذلك أذنا للجميع بالانحراف و شهادة موقعة من قبل (الخليفة) يتيح بموجبها للجميع أن يرفضوا الاسلام بكل بساطة جملة و تفصيلا. و قد أصبح عملهم هذا سنة لكل الناس لا في زمنهم و حسب و انما في الأزمنة التي تلتهم، حيث لم يتحرج و لم يخجل أي (خليفة) أموي أو غيره من اعلان ما لم يعلنه يزيد، و (أبدعوا) في أظهار المزيد من مهاراتهم في مجال الانحراف و الانحدار.
و لنأخذ مثلا بسيطا لما وصل اليه حال المجتمع المسلم. سليل مجتمع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في ظل (الخليفة المسلم) - الفاسق الذي لا يجوز خلعه و الخروج عليه بموجب فتاوي فقهاء الدولة المأجورين. (كان الوليد بن يزيد صاحب شراب و لهو و طرب و سماع للغناء و هو أول من حمل المغنين من البلدان اليه، و جالس الملهين و أظهر الشراب و الملاهي و العزف و في أيامه كان ابن سريح المغني و معبد و الغريض و ابن عائشة و ابن محرز و طويس و دحمان، و غلبت عليه شهوة الغناء و علي الخاص و العام.
و كان يزيد بن عبدالملك أبوه قد قال لمغنميه ابن عائشة أو لساقيه، اسقنا بالسماء الرابعة و قصة رمي الوليد المصحف بالنشاب معروفة جيدا. و مسألة الحاده المعلن معروفة أيضا) [1] .
پاورقي
[1] المسعودي - مروج الذهب 263 - 259 و قد (قرأ الوليد بن يزيد بن عبدالملک (و استفتحوا و خاب کل جبار عنيد - من ورآئه جهنم و يسقي من مآء صديد -[ابراهيم]فدعا بالمصحف فنصبه غرضا للنشاب و أقبل يرميه و هو يقول:
أتوعد کل جبار عنيد
فها أنذاک جبار عنيد
اذا ما جئت ربک يوم حشر
فقل يا رب مزقني الوليد
و ذکر محمد بن يزيد المبرد النحوي أن الوليد الحد في شعر له ذکر فيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم و أن الوحي لم يأته عن ربه کذلک. أخزاه الله من ذلک الشعر:
تلعب بالخلافة هاشمي
بلا وحي أتاه و لا کتاب
فقل لله يمنعني طعامي
و قل الله يمنعني شرابي
فلم يمهل بعد قوله هذا الا أياما حتي قتل). ربما لم يفهم يزيد کيف صار الأمر اليه و أصبح هو خليفة الوحي و حامل الکتاب، فحسب أن الأمر برمته لعبة و أن لا وحي هناک و لا کتاب، و الا لما صار هو ممثل الوحي و خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. و لم يستطع الا أن يعرب عن مشاعره التي کتمتها بعض من جاء قبله.