بازگشت

من يصنع الفراعنة و الطواغيت


ثمة حقائق تاريخية عديدة، لابد من الانتباه اليها، و هي أن الفراعنة و الطواغيت لم يولدوا، و لم يولد آباؤهم المؤسسون لممالكهم فراعنة و طواغيت. ربما كان الفرعون الأول مزارعا هماها أو مقاتلا شجاعا أو قائدا في حاشية فرعون سابق، و ربما كان محبوبا و زعيما جماهيريا يكره الظلم و يتبني قضايا عادلة قبل استلامه السلطة، و ربما كان يتني دينا معينا و أسلوبا خاصة يخضع لكهانة معينة، يلتزم بطقوسها و تعاليمها. فتاريخ الأديان أقدم من تاريخ الملوك. غير أنه عندما أخذ بزمام الأمور، و رأي أن الأغلبية تسير وراءه و تنقاد له، استأثر و استبد، و حول أنظاره و أنظار الناس الي نفسه، و رأي أن نفسه، و رأي أن سلالته هلي التي ينبغي أن تحكم و تسود، و تناسي كل ما كان


ينادي به و يدعو اليه. و عندما ولد أبناؤه فراعنة و طواغيت جاهزين، لم يروا أنفسهم الا في مركز الضوء و الناس تتطلع اليهم و تنقاد لمشيئتهم. اعتقدوا و اعتقد هؤلاء الناس معهم، أن الأمور جرت هكذا منذ البداية، و أنها لابد أن تستمر علي هذا الحال. لقد كانت العملية بجملتها عملية تجميد حالة معينة، استساغها الحاكم المستبد و حولها أو حولها أبناؤه بعده الي حالة صنمية مقدسة مرموقة بل و معبودة.

أصبح الحاكم (ابن الله) تارة و (ظله علي الأرض) تارة أخري، و خليفته و ربيبه و مختاره و شريكه و مبعوث عنايته.

كان تمجيد الحالة يتم لكي لا تبرز حالة مضادة علي ابعاد و محو الحالة المتصنمة أو المتحجرة علي نمط معين للحكم و الحياة، و بالتالي عدم السماح للخروج عليها بأية حال من الأحوال.

أصبح الحاكم الفرعون أو القيصر هو القطب الأول و المحور الرئيسي الذي ينبغي أن تتجه اليه الأفكار، و المعبود الوحيد الذي ينبغي أن تتجه اليه الناس بطاعتها و خضوعها.

لم تكن الفرعونية فرعونية منذ البداية، منذ عهد فرعون الأول.

و لم تكن الكسروية كسروية و لا القيصرية قيصرية بالشكل الذي انتهت اليه.

و حتي لو نزلنا بالأمر الي مستوي زعامة القبيلة، لرأينا أن الأمر لم يكن يتعدي ذلك، فزعيم القبيلة الأول، لابد أنه كان في بداياته من المضحين و المدافعين عن قبيلته، غير أنه عندما تمكن. و عندما وجد بعد فترة من الزمن أن هناك من يحتمل أن ينافسه علي الزعامة، استعد لضمان سلطانه علي قبيلته و سلطان أبنائه و أحفاده من بعده.

لم يكن معاوية من هؤلاء في البداية. فلم يكن مقاتلا شجاعا و لا حاملا لقضية عادلة، و لا زعيما جماهيريا محبوبا. غير أنه دبر قضية أبرزها فيما بعد علي أنها عادلة، و هي قضية مقتل عثمان الذي سعي هو اليه و دبره، ثم قام للمطالبة بدمه، فأصبخ في نظر العديدين من الذين نصبوا العداوة للامام عليه السلام منذ البداية و في نظر الجهلة و المغرر بهم و المخدوعين من أهل الشام وليا للدم و بطلا من أبطال الحق و العدالة. و عندما تمكن و استأثر بالسلطة كان هو محور اهتمام الأمة الوحيد، بيده الحل و العقد، بل مصير الأمة كلها و أموالها و دمائها.