بازگشت

لابد من قوة عسكرية ضاربة.. أهل الشام


و لعلنا نتساءل: هل كان معاوية يستطيع مجابهة الامام عليه السلام بأقاربه من آل أمية وحدهم أو بقريش التي انهزمت أمامه في معركة الجمل؟ و كان معاوية يدرك أن لابد له من قوة عسكرية تطيعه طاعة عمياء و تؤمن (بأحقيته) و صلاحيته ممثلا للخلافة، بل خليفة ان اقتضي الأمر. و كانت الشام تربة صالحة لبذوره، و قد أعدها بعناية فائقة وفق مخطط ماهر محكم. و لعل بعد الشام النسبي عن المدينة، مركز الدولة الاسلامية و اختلاط أهلها بغير العرب، و وجود الخليط غير العربي فيها، و تأخر وصول الدعوة اليها و وضع يزيد بن أبي سفيان ثم معاوية علي رأس السلطة فيها، شكل عاملا مهما لأن يري أهل الشام الاسلام من خلال معاوية نفسه، الاسلام الأموي الذي لا يحمل من اسلام محمد صلي الله عليه وآله وسلم الا اسمه مظاهره؛ أما ممارساته الواقعية، فهي تتجه الي تركيز السلطة و احتكارها بيد العائلة الأموية، و علي وجه الدقة بيد معاوية (الموسس) بالذات أولا تحت غطاء الشرعية الاسلامية.!.

ان التمهيد لتعزيز سلطة معاوية و تقوية شعبيته بين أهل الشام، لابد أن يمهد له بجيش من المحدثين و القصاصين و المفسرين و الأعوان المختصين ببث الدعايات و الأراجيف و الأكاذيب علي الطرف المقابل الذي يقف بمواجهته و يقوده الامام عليه السلام و جيش من فقهاء الدولة المجندين (المشرعين) و المبررين لتصرفاته و تصرفات أعوانه.

و قد رأينا كيف أن معاوية راح يمهد للدعاية عن نفسه، و كيف أبرز الأمر كله و كأنه أحد أقرب المقربين من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و أنه أمين الله علي وحيه، بل هو أحد الأمناء الثلاثة (جبرئيل و محمد صلي الله عليه وآله وسلم و معاوية)...! و كيف أن الله قد غفر له بدعوة من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مما قد ذكرناه أثناء هذا الكتاب.

ان هذا التركيز علي شخصيته، و الذي امتد منذ ظهوره علي مسرح الحكم في دمشق و حتي وفاته، كان يهدف الي اضفاء طابع رفيع علي الشخصية التي أراد لها أن تمتلك من البريق و الأبهة و الجلال ما يتيح له أن يخلب به لب أولئك الشاميين المبهورين (الجهلة) الا من (الثقافة الاسلامية المعاوية)، التي غرسها هو و سقاها و رعاها بمعرفته و فهمه و تصوراته الخاصة البعيدة عن المعرفة و الفهم و التصورات الاسلامية الصحيحة التي جاء بها الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم. و قد رأينا كيف وظف بعض (المحدثين) و اشتراهم و أفاد منهم خلال حربه مع الامام عليه السلام.


أما استقطابه (الدهاة) الذين مر ذكرهم، عمرو بن العاص، و زياد، و المغيرة و أضرابهم من ذوي الحيلة و المكر، فقد كان يتيح له تحقيق أغراضه مع مجتمع الشام الذي رباه و رعاه هو بنفسه.