بازگشت

و من شابه أباه فما ظلم


لقد قتل معاوية سنة ثلاث و خمسين حجر بن عدي الكندي (و هو أول من قتل صبرا في الاسلام) [1] ، لأنه تولي أباتراب، و هو أميرالمؤمنين عليه السلام، (و الحق به من وافقه علي قوله من أصحابه) [2] ، و كان قتل حجر ايذانا بحرب معلنة، مستمرة علي كل من يوالي أميرالمؤمنين و آله عليه السلام و يوالي الاسلام و مبادئه الحقة.

و قد أدرك معاوية أن يزيد الذي كان يسفر عن سلوكه و نواياه و تصرفاته، و بما واجه بعض (المتاعب) و (الصعوبات) من أهل المدينة أو من بعض أهل الأقطار الاسلامية الأخري. فقد روي (ان معاوية قال ليزيد: ان لك من أهل المدينة يوما، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فانه رجل قد عرفت نصيحته.!.) [3] .

و هكذا كان فعلا، أرسل يزيد مسلم بن عقبة الي المدينة فاستباحها في واقعة الحرة المشهورة، التي لا تكاد تذكر الا كنقطة سوداء في تاريخ العرب و لا نقول المسلمين.! و سنتطرق الي هذه الواقعة عند الحديث عن نتائج ثورة الحسين عليه السلام.

و لا يعتقدن أحد أن معاوية كان يقل عن يزيد دموية و تهورا، فما فعله يزيد كان بوصايا من معاوية كما رأينا قبل قليل و كما سنري عندما حذره من ثورة محتملة


للحسين عليه السلام ضده. و كانت وصيته الي بسر بن أبي أرطأة أحد قادته العسكريين حين أرسله الي الحجاز و اليمن (سر حتي تمر بالمدينة فاطرد الناس و أخف من مررت به و انهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن قد دخل في طاعتنا [4] .

و يصف الطبري و ابن الأثير ما فعلته جيوش معاوية بقيادة بسر هذا و قائده الآخر سفيان بن عوف الغامدي حين أرسله الي العراق و قد أوصاه أيضا (أقتل كل من لقيته ممن ليس هو علي مثل رأيك، و اخرب كل ما مررت به من قري) [5] .

و شتان بين هذه الوصايا القاسية، و وصايا الامام الشهيرة القواده و التي يأمرهم فيها الرفق حتي بالحيوان، ناهيك بالانسان، بل و تبين لهم أدق التفاصيل في كيفية الرفق به. فهو عليه السلام يري لكل شي ء قيمة في ظل الاسلام و تصوراته حتي لو كان حيوانا أعجم و منع العبث به أو الاستهانة به [6] و كانت وصاياه بضعاف الناس و فقرائهم تفيض حنانا و دقة، كما أنه حذر بشدة من سفك الدماء، فان هذا أول شي ء تحاسب عليه البشرية يوم القيامة [7] .



پاورقي

[1] مروج الذهب ص 5 - 3.

[2] المصدر السابق.

[3] ابن ‏الأثير 456 - 3.

[4] نهج‏ البلاغة ص 118.

[5] المصدر السابق.

[6] و لا نري بأسا من ايراد بعض وصاياه لبعض من کان يستعمله علي الصدقات (و لا تنفرن بهيمة و لا تفزعنها و لا تسوءن صاحبها فيها. و لا توکل بها الا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا، غير معنف و لا مجحف و لا ملغب و لا متعب. فاذا أخذها أمينک فأوعز اليه ألا يحول بين ناقة و بين فصيلها، و لا يمصر لبنها فيضر ذلک بولدها ويلا يجهدنها رکوبا و ليعدل بين صواحباتها في ذلک و بينها. و ليرفه علي اللاغب، و ليستأن بالنقب و ليوردها ما تمر به من العذر، و لا يعدل بها عن نبت الأرض الي جواد الطرق و ليروحها في الساعات و ليمهلها عند النطاف و الأعشاب. وليکن نظرک في عمارة الأرض أبلغ من نظرک في استجلاب الخراج. (نهج‏ البلاغة 436 - 382 - 381).

[7] ففي وصيته الي مالک أشتر حين ولاه علي مصر قال عليه ‏السلام: (اياک و الدماء و سفکها بغير حلها، فانه ليس شي‏ء أدني لنقمة و لا أعظم لتبعة، و لا أحري بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفک الدماء بغير حقها. و الله سبحانه مبتدي‏ء بالحکم بين العباد، فيما تسافکوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانک بسفک دم حرام، فان ذلک مما يضعفه و يوهنه، بل يزيله و ينقله و لا عذر لک عند الله و لا عندي في قتل العمد لأنه فيه قود البدن. و ان ابتليت بخطأ و أفرط عليک سوطک أو سيفک أو يدک بالعقوبة، فان في الوکزة فما فوقها مقتله، فلا تطمحن بک نخوة سلطانک عن أن تؤدي الي أولياء المقتول حقهم) نهج‏ البلاغة 443 و لا يخفي علي القاري‏ء ما في هذه الوصايا من لمسات انسانية، هي لمسات الاسلام و تعالميه الرحيمة.