بازگشت

افل نجمه أمام نجم معاوية و يزيد


و قد رأينا الملابسات العديدة التي وضعت معاوية علي كرسي الخلافة، و في كل هذه السنين التي واجه فيها معاوية الامام عليه السلام لم نجد موقفا بارزا لمروان، و يبدو أن نجم معاوية قد غلب نجمه، حيث قبع بعد ولاية معاوية في المدينة يجتر مكاسب قتل عثمان. و قد عبر عن ذلك معاوية صراحة بقوله لسعيد بن العاص: (انه كصاحب الخبزة، كفي انضاجها فأكلها) [1] و يبدو أن معاوية وجد فيه منافسا محتملا أو خيلفة له قد يحتل مكانه في النهاية مرجحا علي يزيد، لذلك فانه يبدو أنه قد أبعد الأضواء عنه و أهمله الي حد بعيد، وغاية ما حمله من مسؤوليات أنه كان يوليه المدينة سنة ويوليها سعيد بن العاص سنة أخري، و كان يحرض أحدهما علي الآخر و يكيد بينهما. و ربما أراد اضعافه الي الحد الذي يتمكن فيه من اتمام البيعة ليزيد.

و هنا تتضارب الأخبار في موقف مروان بن هذه البيعة، فأحدها يذكر أن معاوية عندما أراد مبايعة يزيد بولاية العهد، كتب بهذه البيعة الي الأمصار، و منها المدينة، و عامله عليها مروان بن الحكم، و قد غضب مروان عند سماعه ذلك (فخرج مغضبا في أهل بيته و أخواله من بني كنانة حتي أتي دمشق فنزلها، و دخل علي معاوية يمشي بين السماطين، حتي اذا كان منه بقدر ما يسمعه صوته، سلم و تكلم بكلام كثير يوبخ


فيه معاوية منه: أقم الأمور يا ابن أبي سفيان و أعدل عن تأميرك الصبيان، و اعلم أن لك من قومك نظراء، و أن لك علي مناوأتهم وزراء) [2] و قد هدأه معاوية و أوعده بولاية العهد من بعد يزيد. فمروان كان يطمح للخلاقة، و ربما كان متفقا منذ البداية مع معاوية علي أن تؤول اليه من بعده، و كان يعد نفسه نظيرا له، و كان الغضب من تولية يزيد هو رد الفعل الطبيعي لديه فهو يري في استخلافه تعديا علي حقوقه و نقضا للاتفاق التي قد يكون مبرما بينهما علي الأرجح.

غير أن هذه الرواية التي تروي لنا عن الغضب الذي اجتاح مروان، حتي أن سفرته الطويلة من المدينة الي الشام لم تستطع أن تطفي ء سورته، و أبي الا أن يعلن عنه أمام معاوية بهذه الشدة، تناقضها روايات أخري.

فاحداها تقول أنه قام خطيبا في أهل المدينة عندما وصله خبر استخلاف يزيد، و قال لهم: (ان أميرالمؤمنين قد اختار لكم، فلم يأل جهدا، و قد استخلف ابنه يزيد بعده) [3] .

و أخري تروي أنه قام خطيبا فيهم (فحثهم علي الطاعة، و حذرهم الفتنة، و دعاهم الي بيعة يزيد) [4] . و نري من خلال هذين النصين أنه قد قبل باستخلاف يزيد و روج له و حث عليه، و لم يجد في نفسه قوة للوقوف بوجه معاوية و الاعتراض علي هذا الأمر، كما يدللان علي تراجعه و صمود شخصيته أمام شخصية معاوية القوية المتحدية، بل و حتي أمام يزيد. و مهما يكن فان الصفقة التي عقداها لم تتم في حينها، و جاءت متأخرة بعد هلاك يزيد علي رغم معاوية. و أصبح مروان خليفة المسلمين و (أميرالمؤمنين) و أورثها من بعده أولاده الأربعة الذين لقيت منهم الأمة بأسا شديدا و شرا منقطع النظير.


پاورقي

[1] العقد الفريد 251 / 1.

[2] مروج الذهب 32.

[3] ابن ‏الأثير 351 - 3.

[4] العقد الفريد - 112 - 5.