بازگشت

مروان و معاوية أعدا و أخرجا مسرحية قتل عثمان


و مهما يقال عن مقتل عثمان، و بواعث الثورة عليه، فان الوقائع التاريخية تجمع علي الأسباب التي ذكرت في هذا الفصل و الفصل السابق، لو جردنا القضية من (الأموية)، و بعبارة أخري، لو نظرنا نظرة حيادية غير متحيزة الي القضية بمجملها كواقعة من وقائع التاريخ الاسلامي، يتعامل معها الجميع وفق تصوراتهم و فهمهم للاسلام و مصالحهم التي تقترب بعضها من مصلحة الاسلام حتي تكون نفسها هي هذه المصلحة، كما هو الحال مع الامام عليه السلام و تبتعد بعضها عنه حتي لا نكاد نجد أي رابطة تربطها به كما هو الحال مع الحزب الأموي الذي سيطر بعد ذلك علي كل الدولة الاسلامية، و صور قضيته علي أنها القضية العادلة الواقعية الموضوعية، و أنها قضية الأغلبية من أبناء الأمة، و أن الامام عليه السلام كان مجحفا بتصديه لهم و ساعد فوز الأمويين علي الاستئثار بكل شي ء علي انطلاء هذه الحيلة المعدة اعدادا جيدا و متقنا علي الكثير من المسلمين و خصوصا في الشام الذين عرفوا الاسلام الأموي فقط، ذلك الذي صوره لهم معاوية و تلقوه عنه شخصيا، فقد كان تعرفهم عليه عن طريقه، و كانوا نتاج تربيته و نتاج يديه الماهرتين و حذقه في شؤون السياسة و الحياة.! كما أن أولئك الذين لم تنطل عليهم أحابيل معاوية و حيله لم يتمكنوا من الاعراب عن آرائهم صراحة و لم يكن بامكانهم سوي السكوت، و كان معاوية أمهر القادرين علي اسكات الناس بمختلف الأساليب، و قد تعرضنا الي بعضها في هذه الدراسة.

ان مواقف الأمويين، و حتي تلك المواقف الخاطئة المتكررة لمروان و أضرابه، لا تدل علي مجرد فورة عاطفية أو ميل مجرد للعائلة و الأهل، و انما تعبر عن استعداد كامل للم شعث هذه العائلة، و رص صفوف أبنائها لمواجهة ما احتملوا أن يواجهوه، مما قد يعمل علي نقض بنيانهم الذي رأوه صاعدا و هم يرون أن رأس الدولة و معظم ولاته و حاشيته منهم هم، فليس من السهل عليهم أن يتخلوا عن كل ذلك ببساطة بمجرد أن يموت الخليفة موتا طبيعيا، و لابد اعداد لهذا الموت و اخراج جيد له.


و هكذا فان مواقف مروان لا يمكن تبريرها كلها بأنها كانت نتيجة اندفاعات الشباب و الطيش و عدم الحكمة أو أنها كانت تعبر عن ميل عاطفي مجرد لعثمان، اذ أنها لم تكن تصرفات مروان لوحده و انما عكست تصرفات كل أعضاء الأسرة الأموية الذين حاولوا استفزاز الأمة و في مقدمتها الامام عليه السلام، و قد رأينا موقف معاوية من مجموعة من المسلمين كان الامام عليه السلام معهم و تحذير معاوية لهم بشكل و أسلوب متعال مدروس لا شك أنه أراد من ورائه اعطاء انطباع للأمة بأن الأوامر ملك خاص لا شأن لأحد بن أو مناقشته مهما كان مركزه أو قرابته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو سابقته في الاسلام!.

و قد بدا بشكل واضح أن معاوية و مروان و كل أعضاء البيت الأموي أرادوا جر الامام عليه السلام ليكون طرفا معلنا العداء لعثمان، ليستثمروا ذلك في النهاية و يخرجوا عليه اذا ما أصبح في موقع القيادة الفعلية للأمة، و مع أنه أفشل مخططاتهم، لا لمجرد افشال هذه المخططات، بل بفعل مبدئي ثابت، و لم يحرض أحدا علي عثمان، بل علي العكس، حاول منع وقوع المأساة التي لم تود بعثمان وحده، و انما أثرت علي مسيرة كل الأحداث فيما بعد - كما تنبأ الامام و أوضحناه - باسداء النصح المتكرر لعثمان، حتي منعه عثمان من ذلك.

كان مروان يجابه حاله مستعجلة لابد فيها من حسم سريع، و كان لابد أن يتصدي بكل الوسائل الممكنة لمن حسب أنهم يريدون الاستحواذ علي ملكهم كما صرح بذلك أمام الثوار. و هكذا فان تصرفاته لم تكن مجرد نزوات عابرة في رأسه و انما كانت نتيجة موقف مبيت مرسوم لاستفزار الأمة و اخراجها عن طورها لكي يكون تصرفها العفوي في مصلحة البيت الأموي في النهاية ليمكن اسثماره من قبلهم الي أقصي حد ممكن.

و هكذا كان الأمر كما خطط له معاوية و نفذه مروان.