بازگشت

لا تنازل عن المكاسب


كان مروان يحمل نفس الهاجس الذي يراود معاوية و غيره من الحاشية الضالعة بالشر، و هكذا فانه لم يكن يقبل أن يتنازل بسهولة عن المكاسب التي حصل عليها و جعل الخليفة الشيخ ضحيحة لأطماعه، و قد حرضه علي التراجع عن الوعود التي قطعها للامام، و قال له: (تكلم و أعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا و أن ما بلغهم عن امامهم كان باطلا، ففعل عثمان) [1] فقد خطب عثمان في الناس قائلا (اللهم اني أتوب اليك، اللهم اني أتوب اليك! اللهم اني أتوب اليك! و الله لئن ردني الحق الي أن أكون عبدا قنا لأرضين به، اذا دخلت منزلي فادخلوا علي، فوالله لا أحتجب منكم، و لأعطينكم الرضا، و لأزيدنكم علي الرضا، و لأنحين مروان و ذويه.. فلما دخل أمر بالباب ففتح، و دخل بيته، و دخل عليه مروان، فلم يزل يقتله في الذروة و الغارب حتي قتله عن رأيه و أزاله عما كان يريد، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ما خرج استحياء من الناس) 660 - 2.


(و بعد خطبة عثمان، خرج مروان الي الناس و قال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهبنا، شاهت الوجوه الي من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، أخرجوا عنا، و الله رمتمونا ليمرن عليكم من أمر لا يسركم و لا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا الي منازلكم فانا و الله ما نحن بمغلوبين علي أمرنا) [2] .

كان كلام مروان - و حتي تصرفاته - عندما يجري بهذا الشكل الموحي بأن الأمر أمر ملك خاص ببني أمة الذين لا تعرف لهم سابقة في الاسلام، بل سجلت عليهم عداوتهم العنيفة له منذ البداية، تستفز الأمة و تثير سخطها و تولد في نفوس أبنائها حالة من اليأس و القنوط من مستقبل مشرق يحكم فيه الاسلام لا مروان و أشباهه و تصحح فيه المسيرة و تعاد الي ما كانت عليه، و كان مروان يبدو كرأس الحربة التي يوجهها البيت الأموي لجماهير المسلمين، و كان هو يدرك ذلك و يدرك ما له من صلاحيات و يندفع بحماقة الي أقصي حد لاعلان ما لم يجرؤ حتي أحمق الناس من بني أمية لاعلانه و اظهاره، فكأنه كان يستهتر بالأمة و لا يري أنها أمة اسلامية وحدها الاسلام و قامت علي قيمه و مبادئه، و كان مروان، حينما يتصور أن توجه الأمة الي علي عليه السلام سيضعه في النهاية في الموقع الصحيح، علي رأس الدولة الاسلامية التي انفرد بها عثمان و أقاربه و استأثروا بخيرانها و مكاسبها، يستشيط غضبا من ذلك و يحاول بكل طريقه النيل من الامام و اظهاره علي أنه منافس لعثمان في الملك و السلطة، و حاول عدة مرات تحريض عثمان عليه ودق أسفين العداوة و البعضاء بينهما، رغم أن الجميع - و منهم - عثمان يدركون النوايا السليمة للامام عندما يتقدم بنصائحه الي عثمان لانقاذه و انقاذ الأمة من شر فتنة شاملة تصيب الجميع و تعود علي الاسلام بالشر و الوبال. و لم يستطع في احدي المرات عندما جاء الامام مع جماعة من الناس لانقاذ الموقف و نصح عثمان، الا أن ينبري مع جماعة من أقاربه مهددين الامام و موجهين اليه الاتهام قائلين: (أهلكتنا و صنعت بنا هذا الصنيع. و الله لئن بلغت الذين تريد لتمرن عليك الدنيا، فقام مغضبا و عاد هو و الجماعة الي منازلهم) [3] .

لم يكونوا يريدون أن يتنازلوا عن سلطتهم التي اكتسبوها بقرابتهم من الخليفة لأي سبب من الأسباب، و لو أدي ذلك الي قتل الخليفة نفسه، و هو ما كان يتهدده بالفعل، و هو ما كان يبدو أنه يريدونه بالفعل، بل و يسعون الي تحقيقه. اذ كيف


يتسني لهم الخروج علي الامام الذي كانت كل الدلائل تشير الي أن الأمة كانت تتجه اليه بكل كيانها و مشاعرها. فلو مات عثمان موتا طبيعيا، تري ما هو المبرر الذي سيجدونه للخروج علي الامام و اعلان الحرب عليه؟.


پاورقي

[1] المصدر السابق ص 54.

[2] نفس المصدر ص 56 و الطبري 660.

[3] نفس المصدر ص 53.