بازگشت

علاقة قديمة بمعاوية


و من الرواية التي رويت لنا في تاريخ الطبري نجد أن المغيرة لم يكن بعيدا عن ساحة المعركة، و أنه كان يراقب مسألة التحكيم، و ربما كان يمد الحكمين بآرائه، اذ بدا أنه علي اتصال بكليهما، و ربما كان ينسق بينهما و يعمل علي توحيد القرار الذي سيظهران به أمام الناس: فقد روي الطبري قائلا: (فلما اجتمع الحكمان بأذرح، و افاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس، فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحدا من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟.

قالوا: لا نري أحدا يعلم ذلك، قال: فوالله اني لأظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما و أراجعهما فدخل علي عمرو بن العاص و بدأ به فقال: يا أباعبدالله، أخبرني عما أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزلة،؟ فأنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، و رأينا أن نتأني و نتثبت حتي تجتمع الأمة! قال: أراكم معشر المعتزلة خلق الأبرار و امام الفجار! فانصرف المغيرة و لم يسأله عن غير ذلك، حتي دخل علي أبي موسي فقال له مثل ما قال لعمرو، فقال أبوموسي: أراكم أثبت الناس رأيا، فيكم بقية المسلمين، فانصرف المغيرة و لم يسأله غير ذلك، فلقي الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش، فقال: لا يجتمع هذان علي أمر واحد) [1] .


و مع ذلك فقد اجتمع الحكمان علي أمر واحد. خلعا كلاهما الامام عليه السلام و أقر أحدهما معاوية في العلن و أقره الثاني في السر و ان أبدي للناس نفسه أنه ضد صاحبه. ربما كان (المغيرة) يموه علي المسلمين ويريهم أن لكلا طرفي التحكيم رأيا لن يتعداه و لن يحيد عنه حتي يسير التحكيم الي نهاية الشوط و يؤدي غاياته. (و الذي فعله عمرو هو نفس الذي فعله أبوموسي لا يفترق عنه قط في نقير و لا قطمير. و أن أباموسي و عمرا اتفقا علي أن يعهدا بأمر الخلافة علي المسلمين الي الموجودين علي قيد الحياة من أعيان الصحابة الذين توفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و هو عن راض. فعمرو لم يغالط أباموسي و لم يخدعه لأنه لم يعط معاوية شيئا جديدا و لم يقرر في التحكيم غير الذي قرره أبوموسي و لم يخرج عما اتفقا عليه) [2] .

لقد تحدي معاوية (المطالب بثأر الخليفة المقتول) الامام عليه السلام و تصدي له بقوة السلاح. و وجد في نفسه القوة لهذا التصدي بوجه امام الأمة المجمع عليه من قبل الأمة كلها في بيعة تاريخية لم يسبق لها مثيل، أما الآن و قد وجد من يؤيده و يطعن بشرعية خلافة الامام عليه السلام و يدعو الي اعادة أمر الخلافة الي (الصحابة) ثانية، في عملية (تحكيم) ممهد لها، فان موقفه قد أصبح أقوي مما كان عليه في السابق.

و قد هرب أبوموسي مكة بعد (التحكيم)، ثم قدم معاوية بعد استتباب الأمور له و حاول التقرب منه لنيل ولاية أو منصب، الا أن معاوية لم يحقق له رغباته.


پاورقي

[1] الطبري 106 - 105 - 3.

[2] محب الدين الخطيب - نقلا عن هامش ابن الأثير 210 - 209 - 3.