بازگشت

سياسة جديدة أساسها الشدة و العنف


و كانت شدته أعلانا عن استعداده السافر للدفاع عن مصالحه الخاصة التي هي مصالح (الخلافة) نفسها، و مصالح (الخليفة) معاوية أخيه! فكأنه بذلك أعطي المبرر للجوء الي العنف، هذا الأمر الذي لم يكن معاوية يقره علنا و ان كان يغض النظر عنه و يرتاح اليه و يشيد بصاحبه، و يروح بهني ء نفسه علي حسن اختياره لهذا الرجل الصلب الكفؤ، الذي راح يعلن منذ الوهلة الأولي عن صلابته و كفاءته، كرد لجميل (أخيه) الذي لم ينسه و لم يفرط به حتي أنه استلحقه بأبيه.

كما أراد زياد أن يبين لأهل البصرة، و لأهل الأمصار كلهم أيضا أنه يتبع سياسة جديدة لم يعرفوها من قبل، و ان مقاييس جديدة في تقريب الناس و عطائهم، ستكون علي حسب ما يقومون به، للتقرب من البيت الحاكم الذي أراد أن يبين لهم أنه أحد أعمدته و أركانه بل و أصحابه المتصرفين به، و قد أنشد في بداية ولايته للبصرة قائلا:



(ألا رب مسرور بنا لا نسره

و آخر محزون بنا لا نضره) [1] ، [2] .




فقد أراد أن يعلن عن فتح صفحة جديدة، الولاء فيها للبيت الأموي هو المقياس.

كما أن معاوية أراد أن يقول للناس بصريح القول: اني اذا ما كنت لينا، و أتحمل (زلاتكم) و (أخطاءكم) في الظاهر، فان عليكم أن لا تأمنوا ذلك، و لا تطمئنوا الي ابتسامة الأسد مني، فربما كنت مغيظا و أنا أبتسم بوجوهكم، و أنا امرؤ من الناس تنطوي نفسي علي عوامل الحقد و الغضب، و معي أناس لا يستطيعون كبح جماح غضبهم كما أفعل، فحذار، ثم حذار منهم. و مني أولا... و هكذا صرح باحدي المناسبات، عندما سكت عن رجل أغلظ عليه (فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: اني لا أحول بين الناس و بين ألسنتهم، ما لم يحولوا بيننا و بين ملكنا) [3] .

و حينذاك فقط، اذا ما ظهرت أي بادرة للحيلولة بينه و بين الملك، فان الحلم يختفي و يحل محله الغضب، و حذرا من هذا الغضب، انه يتحمل الأمور البسيطة فكأنها يمتص بذلك البداية الحقيقية للغضب و النقمة من الناس، الا أنه لا يتساهل مع أي انسان يسعي للاطاحة بالعرش الأموي أو أي انسان يعلن عن عدم شرعية قيام هذا العرش.


پاورقي

[1] مروج الذهب 29.

[2] ابن ‏الأثير 374 - 3.

[3] و قد قال في خطبته المشهورة تلک في البصرة (اني لو علمت أن أحدکم قد قتله السل من بغضي لم أکشف له قناعا، و لم أهتک له سترا، حتي يبدي لي صفحته. فاذا فعل لم أناظره..) و قال: (انا أصبحنا لکم ساسه، و عنکم ذادة، نسوسکم بسلطان الله الذي أعطانا و نذود عنکم بفي‏ء الله خولنا، فلنا عليکم السمع و الطاعة فيما أحببنا، و لکم علينا العدل فيما ولينا) الطبري 198 - 197 - 3 فهو هنا يهددهم اذا ما أظهروا أي بادرة تذمر ضد الدولة. کما أنه لم يعدهم بأن يسوسهم بسلطان الله الذي بين أحکامه في شريعته المقدسة... و انما بسلطان الله الذي (أعطاهم) و فيئه الذي خولهم). و لا ندري کيف أعطاهم الله سلطانه و کيف خولهم فيئه؟ أنها خطوة لقلب مفاهيم الحکم و الخلافة في الاسلام أصبحت فيما بعد هي الأساس و هي مفاهيم أوجدها معاوية کما هو معلوم.