بازگشت

كيف غاب الحياء


و لو قد تصفحنا فصول المهزلة التي حصلت باستلحاق زياد بأبي سفيان و شهادة أبي مريم السلولي الذي جمعه بسمية، و شهادات بعض من ادعي أن أباسفيان قد دخل علي سمية و زني بها، و رأينا تصاعد ابتسامات السخرية و الغضب علي هذه المهزلة التي شكلت أكبر خرق واضح من (خليفة المسلمين)، لرأينا السبب الذي كان خلف حنق معاوية و غضبه علي اولئك الساخرين المستنكرين، فهو لم يغضب لأن الناس قالت عن أبيه أنه زان، أو أنه اخترق حدا من حدود الاسلام أو حتي الأخلاق و المروءة التي تمتع بها بعض العرب حتي قبل ظهور الاسلام، بل لأنه وجد أن مصلحته أن يصانع هذا الداهية و يشكل معه و مع عمرو و المغيرة رباعيا منسجما يرسي أسس المملكة الأموية الصاعدة و كان معاوية يدرك ما عليه زياد من طاقات كبيرة و استعدادات فائقة للشر، و قد رد علي المغيرة الذي حاول التهوين من شأنه أمام معاوية (داهية العرب معه الأموال، متحصن بقلاع فارس، يدبر و يربص الحيل. ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت، فاذا هو قد أعاد علي الحرب خدعة) الطبري 176 - 3 و قد أشخص اليه المغيرة نفسه لا قناعه، فقال له في معرف (المصفح) (أري أن تصل حبلك بحبله و شخص اليه) المصدر السابق 176 - 3 و قد سار زياد الي معاوية و قد سأله عن الأموال التي معه فقدم له كشفا بالحساب (فأخبره بما حمل منها الي علي عليه السلام و ما أنفق منها في الوجوه التي تحتاج فيها الي النفقة، فصدقه معاوية علي ما انفق و ما بقي عنده، و قبضه منه، و قال: قد كنت أمين خلفائنا) نفس المصدر 177 - 3 و كانت مصلحة معاوية أن (يصدقه).

قيل ان (الدهاة أربعة، معاوية للروية، و عمرو بن العاص للبديهة و المغيرة للمعضلات و زياد لكل صغيرة و كبيرة) [1] و مع ذلك فان داهية الروية (الحليم الصبور)، رب هذه المملكة غضب و انزعج و فقد هدوءه و حمله عندما قيل له أنه بادعائه زياد لأبي سفيان، يخرج عن الاسلام، و لم ير أن يستجيب لهذه النصيحة لأنه رأي أنه لا يستطيع أن يفرط بهذه الطاقة التي كان يحتاج اليها حاجة شديدة، فهو لم يكن يلعب لعب صبيان! و هو يمهد لمشروعه الكبير... لقد احتج يونس بن عبيد في


جملة المحتجين و قال لمعاوية: (يا معاوية قضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن الولد للفراش و للعاهر الحجر، و قضيت أنت أن الولد للعاهر و أن الحجر للفراش مخالفا كتاب الله تعالي، و انصرافا عن سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بشهادة أبي مريم علي زنا أبي سفيان. فقال معاوية: و الله يا يونس لتنتهي أو لأطيران بك طيرة بطيئا وقوعها. قال يونس: هل الي الله ثم أقع؟ قال: نعم، و استغفر الله) [2] .

و يبدو أن معاوية يمهد لفلسفة تريد أن لا يعرف الناس الا شيئا واحدا و هو أن الله غفور رحيم (خصوصا معه هو)، لقد نسي عدالته و نسي غضبه و قدرته و عقابه، لم يرد أن يعرف عن الله الا أنه مختص بغفران ذنوبه هو من دون الخلق..!

و كأنه قد حصل علي صك بذلك، لقد كان الأمر برمته مجرد ملهاة لا يدخل فيها الله الا كطرف مهمته دعوة الناس لحكم معاوية و غفران أخطائه و أخطاء أصحابه و حاشيته و حوارييه و هذه نقطة ينبغي الانتباه اليها عند تحليل كلمات معاوية و خطبه و أقواله.

أما قانون الله العام الواضح الذي نظم الحياة و جعل الانسان خليفة علي الأرض و اصطفي من بني آدم المؤهلين لهذه المهمة من الأنبياء و أوصيائهم، يتحملونها بأكبر قدر من المسؤولية فلا يهم أن يخرق ما دام الذي خرقه هو معاوية (حبيب الله و أمينه و مهديه و هاديه) فكأن له قانونا خاصا و استثناء انفرد به دون الخلق، متناسيا قول الله تعالي، بل كل أقواله: (اعلموا أن الله شديد العقاب و أن الله غفور رحيم) [3] .

(و اذ تأذن ربك ليبعثن عليهم الي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب و انه لغفور رحيم) [4] .

(ان ربك سريع العقاب و انه لغفور رحيم) [5] .

و هكذا قابل معاوية ابتسامة السخرية و الهزء بابتسامة مماثلة، و لم يعر أي اهتمام


لقول القائلين و سخرية الساخرين، و لم يرد أن يفهم الا المقطع الذي يقول الذي يقول بأن الله - عزوجل - غفور رحيم... (متأولا) كتاب الله نفسه و مفسرا اياه علي هواه.

و قد عبر أحد هؤلاء الساخرين، عبدالرحمن بن أم الحكم، عن رزية المسلمين (بخليفتهم) الظريف المقدام بأبيات جاء فيها:



ألا أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلة عن الرجل اليماني



أتغضب أن يقال أبوك عف

و ترضي أن يقال أبوك زاني



فاشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان [6] .



(الداهية) زياد أصبح أخا (للداهية) معاوية، اعترف به رأس الدولة بشكل رسمي متحديا بذلك ما جاء به الاسلام و كل أمة الاسلام، و كأن شهادة أبي سلمة تبيح له ذلك [7] .

(و في سنة خمس و أربعين ولي معاوية زياد بن أبيه البصرة و أعمالها) [8] .

(... ثم جمع له البصرة بعد ذلك و جمع له الحجاز مع العراقين) [9] .


پاورقي

[1] العقد الفريد 250 - 5.

[2] مروج الذهب 9 کما أنه غضب علي ابن‏عامر و هو أحد أعوانه عندما بلغه قوله (لقد هممت أن آتي بقسامة من قريش يحلفون أن أباسفيان لم ير سمية) الطبري 195 - 3.

[3] المائدة 98.

[4] الأحزاب 165.

[5] الأعراف 167.

[6] مروج الذهب 9.

[7] و کان زياد نفسه کما قلنا تواقا لالحاق نسبه بمعاوية، فعندما قدم الکوفة قال: (قد جئتکم في أمر ما طلبته الا اليکم، قالوا: ادعنا الي ما شئت، قال تلحقون نسبي بمعاوية؛ قالوا: أما بشهادة الزور فلا؛ فأتي البصرة، فشهد له رجل) الطبري 195 - 3.

[8] المصدر السابق 26.

[9] نفس المصدر 36.